Categories: اراء

كيف ندافع وكيف يدافعون؟

جلست قبل عدة أيام مع مواطن من دولة خليجية (سعودي)، وكان سبب حضوره إلى الأردن إجراء عملية جراحية هنا، وكانت الجلسة مفتوحة على مواضيع كثيرة، وخلال النقاش تم التطرق إلى قضية خميس مشيط والتي جرت فيها أحداث في مركز أيتام بين الشرطة والبنات هناك.
هنا انبرى هذا الشخص ودافع دفاعًا مستميتًا عن الدولة وعن قرارها في ضبط الذي حدث هناك، وبَيَّن أن هناك مؤامرات تحاك ضد بلده وأن البلد مستهدف من أشخاص وتيارات تُظهر الأحداث هناك بصورة سيئة بالرغم أن الحدث يكون له تفسير آخر غير الذي يُسوّق له.
ما لفت انتباهي ليس موضوع القضية- بغض النظر من المُخطئ- ولكن الذي لفتني هو دفاع هذا الشخص عن بلده وتوضيح وجهة نظر مختلفة عما يُنشر، وحرصه على إظهار وطنه بأفضل صورة وعدم السماح لآخرين حتى من أصدقائه انتقاد دولته.
هذا الشخص- للعلم- شخص بسيط ومؤدب ليس له اتجاهات سياسية، وخرج من بلده يطلب العلاج هنا ودفع من جيبه فاتورة علاجه، وهو أيضًا ليس مسؤولاً ولا طامحا في موقع، كذلك لا يوجد في الجلسة أي شخص سعودي ينقل دفاعه عن بلده لمسؤولين سعوديين لكي يكافئوه ويعطوه منصبا أو مالا.
«لكن» دافع من غيرته على بلده وحبه له ووطنيته التي عبرت الحدود ووصلت إلى جلسة ودية أمام أصدقاء من بلاد أخرى.
هذا الموقف ذكرني بإخواننا المصريين الذين يعملون ويكدون في مهن صعبة وشاقة «ولكن» عند ذكر مصر يصمتون ويقولون «مصر دي أم الدنيا» ولا يسمحون لأيٍ كان التطاول على مصر أو سيادتها؛ بل يدافعون بالرغم من صعوبة الظرف واغترابهم وقسوة الحال.
وهنا ذهبت إلى ما يحدث عندنا إذا فُتح أي موضوع للنقاش عن البلد- كان الشخص داخل البلد أو خارجه- وتذكرت الجلد المفرط واللعن المتعالي والإساءة المتعمدة والتشكيك في كل شيء حتى لو رآه الشخص أمام عينيه.
وبدأت أتساءل؛ أين الخلل؟
هل هو في الوطنية أم في المواطنة؟ أم الخلل في طبيعة الناس؟
أم الخلل في المسؤولين السابقين الذين لم يبنوا جدارن الثقة؟ أم أن السوشال ميديا بيّنت حجم الجلد والتشكيك وهو موجود أصلًا؟
إذا ما طرحنا هذه الأسئلة على المواطنين والنخب الأردنية سنسمع إجابات مختلفة؛ فمنهم من يرى أن عدم توفير فرص العمل هو السبب، ومنهم من يرى أن الوضع الاقتصادي العام وزيادة الضرائب هو السبب، ومنهم من يرى أن حجم المشاركة السياسية وحجم الحريات هو السبب، ومنهم من يرى أنه يستحق منصبا ولكن لم يحصل عليه، وأن شخصا آخر- أقل كفاءة برأيه- عُيّن مكانه هو السبب في هجومه، منهم من يهاجم بدون ذكر أسباب.
بعض الإجابات فيها منطق «لكن»؛ ما نزال لا نفرق بين الوطن وبين الحكومة، ولا بين المواطنة وبين الوطنية، ولا بين النقد والإساءة إلى كل شيء في البلد (حجراً أو بشراً).
لذلك أدعو الجميع – غاضبين ومعارضين وحتى المواطنين العاديين – أن نفرق بين كل ما ذكرت، وأن ننتقد كل خطأ ونبين موطن الخلل بعيداً عن الإساءات وبعيدا عن التجريح وأن «ندافع كما يدافعون» عن بلدهم ووطنهم.

 

Mahmoud Dabbas

Recent Posts

ارتفاع أسعار النفط عالميا

ارتفعت أسعار النفط في التعاملات الآسيوية المبكرة اليوم الأربعاء، بعد أن أظهرت بيانات انخفاضًا أكبر…

دقيقتين ago

بيان صادر عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي بخصوص نظام الموارد البشرية والخدمة العامة الجديدين

يؤكد الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني أن ما جرى من تعديلات على نظام الخدمة المدنية ونظام…

5 دقائق ago

اليابان: بدء التداول بأوراق نقدية جديدة بتقنية ثلاثية الأبعاد

بدأت اليابان، اليوم الأربعاء، تداول أول أوراق نقدية جديدة منذ 20 عاما، والتي تحمل صورا…

17 دقيقة ago

تجارة الاردن: جاهزون لنكون شريكا استراتيجيا للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي

أكد رئيس غرفة تجارة الأردن خليل الحاج توفيق، أن الغرفة جاهزة لتكون شريكا استراتيجيا للصندوق…

25 دقيقة ago

الأردن : بلاغات العطل الرسمية تسري على القطاع الخاص

أكد الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن أن البلاغات التي تصدر من رئاسة الوزراء لتحديد العطل…

33 دقيقة ago

استقرار اسعار الذهب في الاردن لليوم الخامس على التوالي.. وغرام عيار 21 عند 47.200 دينار

لليوم الخامس على التوالي، استقرت أسعار الذهب في السوق المحلية، الأربعاء بحسب التسعيرة اليومية الصادرة…

38 دقيقة ago