كيف يحقق مجلس الأمن الغذائي الفاعلية بعد فشل “الزراعي الأعلى”؟

أثارت التعديلات الأخيرة على نظام مجلس الأمن الغذائي الذي أقره مجلس الوزراء الأحد الماضي، تساؤلات حول القيمة المضافة لها، إذ رأى خبراء في الزراعة، بأنها إيجابية، تحقق دورا أكبر للزراعة، كروافع لتوفير الغذاء وأمنه، بحيث يشكل دخول رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين ووزارة الزراعة أعضاء في المجلس، إضافة لعنصر إنتاج الغذاء، لا مجرد التداول بشأنه وتوفيره.

لكن آخرين، رأوا أن المجلس بتشكيلته الحالية، نسخة مطابقة للمجلس الزراعي الأعلى الذي تشكل قبل أعوام، دون أن يعقد سوى جلستين أو ثلاث، ولم يحقق أي شيء فعليا.

وفي السياق، فقد نص نظام المجلس الزراعي الأعلى، بأن يكون رئيسه هو رئيس الوزراء، في مسعى لتحقيق زخم واهتمام كبيرين للمجلس ومهامه.

بيد أن ذلك لم يتحقق في مجلس الأمن الغذائي، إذ بين خبراء في الزراعة، أن المسؤولية باتت تقع حاليا على عاتق لجان وآليات دعم، وتسريع للأمن الغذائي، كما وردت في المادة (7) من نظامه، وفي صلب مهامه، بالإضافة للتنسيق والمرونة في اتخاذ القرار وسرعة التنفيذ، كما وردت بين سطوره لمواجهة الأزمات.

خبير التمويل الزراعي د. سليم نابلسي، بين أنه وحسب إقرار مجلس الوزراء نظام مجلس الأمن الغذائي لسنة 2023، وما أدخل إليه من تعديلات بدخول رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين ووزارة الزراعة كأعضاء فيه، فإن ذلك يعني إدخال عنصر إنتاج الغذاء، وليس فقط التداول في الغذاء وتوفيره، معتبرا ذلك تعديلا جيدا.

وأضاف نابلسي، أن تشكيل المجلس بحد ذاته ورئاسة وزارة الزراعة له، خطوة ممتازة وجيدة، وإن المطلوب منه، يتبلور في ألا يجري التفكير فقط بما يتوافر من مخزون الغذاء وترك إنتاجه، بل يتوجب أن يكون هناك توازن بين إنتاج الغذاء وتوفيره وتعزيز المخزون.

وبين أنه لا بد وأن يكون للمجلس الجديد، دور فعال في حماية الإنتاج الغذائي، وتذليل الصعوبات التي تعترضه، كالفحوصات وتقديم التسهيلات الضريبية والإجراءات الجمركية على المزارعين والمصدرين، لتحفيزهم على الزراعة والإنتاج والاستيراد، بالإضافة لتقليل حجم الاستيراد الذي يصل لـ80 %، بتشجيع الإنتاج وتقليل نسبته إلى النصف، وتخفيض الضرائب على مدخلات الإنتاج الزراعي، ودعم وحل مشكلة النقل والشركات الزراعية الكبيرة.

ولفت نابلسي، إلى الحاجة لإعادة تعريف الأمن الغذائي، وتبني إستراتيجيات وسياسات وطنية عامة للقطاع الزراعي والموارد الطبيعية والبشرية والمادية تخطيطا وتنظيما وتمويلا، لتعظيم قدرة الدولة على إنتاج السلع الغذائية بالحد الأقصى، ومن ثم توفير الأغذية الرئيسة في كل الأوقات، وبغض النظر عن إمكاناتهم المادية والاجتماعية والاقتصـادية، للحصـول على أغذية كافية وسـليمة ومغذية، تلبي احتياجاتهم التغذوية للتمتع بحياة موفورة النشـاط والصـحة.

وأضاف، ان التعديلات على مفهوم الأمن الغذائي، تتبلور في أن الحكومات بالشراكة مع المجتمع من القطاع الخاص والمنظمات الأهلية، والأسر الريفية، والأفراد، معنية ومسؤولة عن الأمن الغذائي، وضرورة إنتاج وزراعة وتعظيم العائد الإنتاجي لموارد الدولة، وعدم الاكتفاء بكلمة توفير في المفهوم الحالي، واستبعاد عبارة أذواقهم الغذائية، لأن التعريف الآن معني بالأزمة، وتوفير الأغذية الأساسية.

المختص بالشأن الزراعي المهندس سليمان تيم، بين أنه بعد إقرار مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة نظام مجلس الأمن الغذائي وتشكيله، بات واضحا أنه صورة لتجربة المجلس الزراعي الأعلى، الذي مرت عدة أعوام على تشكيله، ولم يعقد سوى جلستين أو ثلاث، دون تحقيق شيء على أرض الواقع.

وأضاف تيم، أنه كان يفترض بان يكون رئيس المجلس رئيس الوزراء، كما نصت مسودة القانون قبل إقراره، ليحقق زخما واهتماما كبيرين، كذلك أن يكون أعضاؤه متفرغين ومختصين، وليس شرطا أن يكونوا وزراء، بل ومن أصحاب القطاع من نقابات وهيئات وشركات مختصة بالشأن الزراعي والإنتاج والصناعة، لأنه مجلس مختص بالأمن الغذائي، وفي حال اقتصر على الوزراء فسيغيبون عن جلساته لعدم تفرغهم، ويرسلون من يمثلونهم عنهم، كما لن تكون جلسات المجلس، سوى جلسات بروتوكولية عند عقدها.

وقال يجب أن يكون في المجلس وحدة استخبارات للأمن الغذائي، تنحصر وظيفتها برصد ومراقبة الأمن الغذائي، ووضع خطط استباقية لصدماته وأزماته، من ناحية طرق الإمداد ومنشأ الغذاء، بحيث تتنوع لدرء الخطر من أي صدمة في سوق الغذاء العالمي، في ظل استمرار الحروب، كما يحدث حاليا في الحرب الروسية الأوكرانية.

وأضاف تيم، أن من وظائف المجلس أيضا، المحافظة على سلامة الغذاء، فهي ركن أساسي من أركان الأمن الغذائي، وهذا يحتاج لرصد ومتابعة وفحوصات على مدار الـ24 ساعة، ووضع خطط وإستراتيجيات، عدا عن ذلك، يبقى المجلس نسخة عن المجلس الزراعي الأعلى، دون تحقيق شيء.

الخبير في المجال الاقتصادي الزراعي المهندس أنور حداد، قال إن “صدور نظام مجلس الأمن الغذائي رسميا، بعد أن طال انتظاره، وإجراء تعديل عليه، يبدو في ظاهره أساسيا، لكن في حقيقة الأمر، لا أرى أن هنالك تعديلا جوهريا على نظامه عما كان مطروحا سابقا، فالتغيير الوحيد الذي جرى يكمن بتغيير رئاسة المجلس من رئيس الوزراء إلى وزير الزراعة، الذي كان بموجب مسودة النظام القديم نائبا للرئيس، وبمراجعة دقيقة لمواده، فلا أرى أي تغيير جوهري في مهامه ووظائفه.

ورد حداد عدم التغيير الجوهري في النظام، إلى أن فقرته الأولى من المادة (5)، تنص على أن من أولى مهام المجلس “مراجعة وإقرار السياسات والخطط الإستراتيجية والتشريعات والموازنات ذات العلاقة بالأمن الغذائي، المقدمة من الجهات المعنية، بما فيها البرامج والمشاريع، ورفعها إلى مجلس الوزراء للموافقة عليها”.

وقال “لا أعتقد بأن شيئا قد تغير، إذ بقي مجلس الوزراء، المسؤول النهائي عن بوصلة الأمن الغذائي، وذلك بإقرار الخطط والإستراتيجيات والسياسات والموازنات والمشاريع والبرامج لتحقيقه”.

وأضاف، أن الجهات ذات العلاقة، بقيت مسؤولة عن تنفيذ بنود النظام، وأن معظم مهام المجلس الأخرى، تتعلق بأعمال ومشاريع وبرامج الوزارات والجهات المعنية بالأمن الغذائي، دون أن يتغير عليها أي أمر.

وقال حداد، إنه “ومن وجهة نظري، فإن تعديل النظام أعطى لوزارتي الزراعة والصناعة والتجارة دورا أهم، نظرا لأنهما تتحملان الجزء الأكبر من مسؤولية توفير الغذاء والأمن الغذائي، لذلك جاءت تسمية وزير الزراعة رئيسا ووزير الصناعة والتجارة نائبا للرئيس، قرارا سليما وموضوعيا.

وأشار إلى أن عضوية الوزراء بقيت في النظام كما هي، كل في مجال اختصاصه، وجاءت تسمية رؤساء غرف التجارة والصناعة والاتحاد العام للمزارعين صحيحة، وتعكس دور القطاع الخاص في هذا الجانب، “وكنا نتمنى أن تكون غرفة الزراعة، ثالثة الغرف الشريكة التي يمكنها أن تغطي دور مؤسسات المجتمع المدني الزراعية، بالإضافة للاتحاد العام للمزارعين”.

وقال حداد، إن التعديلات إيجابية، وتعطي دورا أكبر للزراعة التي تشكل أهم روافع توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي، إلى جانب جهات معنية، بيد أن المسؤولية حاليا تبقى في عمل اللجان وآلية الدعم وتسريع الأمن الغذائي كما وردت في المادة (7) من النظام، والتي تقع في صلب مهام المجلس، والتنسيق والمرونة في اتخاذ القرار وسرعة التنفيذ، كما وردت بين سطور النظام لمواجهة الأزمات، وللأردن تجارب ناجحة في هذا المجال.

وأضاف أن القطاع الزراعي واللوجستي والصحي، نجح بسد الفجوة الغذائية، وتوازن الأسعار وانتظام الحياة العامة في أزمة كورونا والأزمة الأوكرانية

وشدد على أن البوصلة، تبقى باتجاه أن يكون الأردن مركزا إقليميا للأمن الغذائي، كما وجه بذلك جلالة الملك عبد الله في خطة التحديث الاقتصادي، والبدء فورا ببناء قواعد البيانات المحلية والإقليمية وارتباطاتها الدولية، وأعتقد بأنها فرصة أمام القطاع الزراعي للانتقال إلى مكانة الطبيعي في تحقيق الأمن الغذائي

وكان مجلس الوزراء أقر في جلسة له الأحد الماضي برئاسة رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة، نظام مجلس الأمن الغذائي لسنة 2023، نظراً لتأثر دول العالم، ومنها الأردن بأزمات الغذاء الدولية والتغير المناخي، ولتوفير المعلومات والبيانات المتعلقة بالأمن الغذائي، وإصدار التقارير الخاصة به، وفق المؤشرات المعتمدة في الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، وذلك لمراجعة وإقرار السياسات والخطط الإستراتيجية الوطنية المتعلقة بالأمن الغذائي ومراقبة تنفيذها

وبموجب النظام، ينشأ في وزارة الزراعة مجلس يسمى (مجلس الأمن الغذائي) برئاسة وزير الزراعة وعضوية وزراء: الصناعة والتجارة والتموين (نائبا للرئيس)، والتخطيط والتعاون الدولي، والصحة، والتنمية الاجتماعية، والمياه والري، والبيئة، والتربية والتعليم، والمالية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ومدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء، ونائب رئيس المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، ورؤساء مجالس إدارات غرف: تجارة الأردن، وصناعة الأردن، والاتحاد العام للمزارعين الأردنيين