Categories: اراء

لماذا مجلس الأمن القومي الآن؟

الأردن أكثر بلد عربي محاط بالأزمات، حرائق الجوار من جهة، فوق الازمات الداخلية، لكن فضيلة النجاة، برحمة الله ولطفه، ثم بالتخطيط، فضيلة يتوجب صونها، بكل الطرق المتاحة.

إحدى ابرز المشاكل التي كنا نعيشها في بعض المراحل، وكانت سرا، أو تخرج الى العلن في مرات، حالة الصراع بين الاشخاص، أو المؤسسات، أو التصادم في وجهات النظر والقرارات، وهذه الحالة اي الصراع الفردي، الذي يتحول الى منافسة دون معايير، وتطاحن في حالات كثيرة، تركت ضررا كبيرا على بنية الدولة في بعض المراحل، حيث اتسمت بعض المراحل السابقة بالفوضى.

برغم وجود تنسيق بين المؤسسات في تواقيت ثانية، وفي كثير من القضايا، خصوصا، في حالات الازمات، ووجود مجالس للسياسات، ومراكز للازمات، أيضا، جاءت تعديلات الحكومة الاخيرة على الدستور، لتقدم شكلا جديدا موجودا في دول كثيرة في العالم، من خلال إضافة تعديلات جديدة على التعديلات الدستورية التي اقترحتها، اصلا، اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، من اجل انشاء ودسترة وجود مجلس للأمن الوطني والسياسة الخارجية، برئاسة الملك.

قامت الدنيا ولم تقعد، وساد سوء الظن من جهة حول المجلس بسبب التأويلات، واحيانا دفاعا عن مبدأ دستوري، يقول ان الملك هو رأس الدولة، واكبر من أن يترأس مجلسا للأمن الوطني، وهو ليس بحاجة الى صلاحيات جديدة، وتم الاعتراض عبر زوايا محددة، بالغ اصحابها في تفسيراتهم، إلى درجة كلام البعض عن ان هذا المجلس سيأتي لإدارة الأردن، بدلا من الحكومة العادية او البرلمانية الحزبية المقبلة، وبدلا عن بقية المؤسسات المدنية والعسكرية، او انه سيقزم دور مؤسسات سياسية او امنية محددة، وهذا غير صحيح، فالمجلس هنا، بمثابة عقل مركزي موحد للدولة.

المجلس اساسا لم يأت ليسيطر على مؤسسات ثانية، ولا لخطف دورها، ولن يتشكل، لاحقا، من أجل السطو على صلاحيات احد، ومهمته الاساس ترتبط بتسهيل التعاون والتنسيق ما بين المؤسسات الأمنية العسكرية والمدنية، حيث يتكون من رئيس الوزراء ووزراء الخارجية والدفاع والداخلية ومدير المخابرات العامة ورئيس هيئة الأركان بالإضافة إلى عضوين يختارهما الملك.

العاصفة التي هبت سابقا في عمان، لم يكن لها مبرر، وفي كل الاحوال فإن مجلس النواب وبعد أن أقرت لجنته القانونية التعديلات الدستورية، أجرت تعديلات جديدة محددة ساهمت بشكل واضح بخروج التعديلات بطريقة مناسبة، تكفي الأردن سوء التأويلات، وتضع الامور في نصابها.

يوم امس تم الاعلان عن تعديل اللجنة القانونية لمسمى هذا المجلس ليصبح مجلس الامن القومي، وبالمناسبة هذا المجلس موجود في عشرات دول العالم، وهو اساس في التنسيق بين المؤسسات المدنية والعسكرية، في الظروف العادية والاستثنائية، كما أعلنت اللجنة وفقاً لمنطوقها أنه.. ” لا حاجة لما ورد في المادة 3 من مشروع التعديلات المقدمة من الحكومة والتي نصت على أن يكون جلالة الملك رئيسا لهذا المجلس، لأن جلالته رأس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية”.

وأكدت اللجنة القانونية وجاهة إنشاء هذا المجلس بالصيغة المعدلة، من أجل..” توفير مرجعية موحدة تجتمع عندما يتعلق الأمر بالشؤون والمصالح العليا المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية، بما يمكنه من التعامل مع التطورات، واتخاذ القرارات الضرورية بشأنها”.

حسنا ما فعلته قانونية النواب ازاء هذه التعديلات، فقد وضعت الامور في نصابها الأصح، فالملك أكبر من أن يكون رئيس لجنة، إضافة الى انه وبعيدا عن الاعتراضات التي سمعناها، فهذه التعديلات لم تمنح الملك صلاحيات جديدة، كون صلاحياته في الاساس، اصيلة، ومعرّفة دستورياً.

المحرج هنا هو أن كل المسؤولين والاصوات التي دافعت عن الصيغة الاولى، التي تتضمن رئاسة الملك للمجلس، ستجد نفسها صامتة امام هذا التغيير، اي عدم رئاسة الملك للمجلس، وهنا لا بد ان يقال ان هذا المناخ يعد حيويا، فمن حق الانسان ان يؤيد او يرفض، فيما الصيغة النهائية للتعديلات الدستورية قد تتغير، عبر فلاتر اللجنة القانونية، او البرلمان ذاته، وهذا امر طبيعي.

وجود مجلس الامن القومي، سيعزز حيوية الدولة، ويحميها من ازمات كثيرة، ومن التنافس الداخلي، والتطاحن، والتضارب، وسوء التنسيق، ومن اي تداخلات محتملة، دون ان يتحول المجلس الى سلطة فوق السلطات، وسنرى هذه التجربة بأم أعيننا، لنحكم عليها بشكل دقيق.

الغد

Mahmoud Dabbas

Recent Posts

جوجل تمنح مستخدمي يوتيوب بريميوم مزايا جديدة

تمنح جوجل مستخدمي يوتيوب بريميوم مزايا جديدة عديدة، ويشمل ذلك التنزيلات الذكية ودعم وضع الصورة داخل صورة…

36 دقيقة ago

مهندسون هولنديون يصنعون أطول دراجة هوائية في العالم

تشير Oddity Central إلى أن مهندسين هولنديين صنعوا دراجة هوائية طولها 55 مترا، وهي الأطول…

ساعتين ago

السعودية.. بلقيس تثير ردود فعل واسعة بتصريحات حول عدم مشاركتها في موسم الرياض

أثارت تصريحات للفنانة الإماراتية اليمنية، بلقيس، حول عدم مشاركتها في موسم الرياض هذا العام، جدلا…

3 ساعات ago

ما علاقة الضوء بمرض السكري؟

كشفت دراسة أجرتها جامعة Flinders الأسترالية، أن تجنب الضوء الساطع في الليل يُمكن أن يُساهم…

4 ساعات ago

“عبوة سامة”.. تحذير من وضع العبوات البلاستيكية تحت الشمس

دراسة تحذّر من وضع عبوات المياه البلاستيكية تحت أشعة الشمس، بعد دق ناقوس الخطر سابقاً…

5 ساعات ago

القطط تهبط بسلام عند السقوط من أماكن مرتفعة.. لماذا؟

تثير القطط إعجاب البشر بقدراتها الهائلة، من بينها الهبوط بسلام عند السقوط من مكان مرتفع،…

6 ساعات ago