رياضة

لماذا يفشل “الاحتلال الإسرائيلي” في المشاركة بمباريات كأس العالم في كرة القدم؟

يتوقّف تقرير صادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) عند السؤال: «لماذا تفشل إسرائيل في دخول مباريات كأس العالم في كرة القدم؟». ويستعرض البروفايل الكروي تاريخياً.

ويشير التقرير إلى أنه، في العام 1970، وصلت إسرائيل لأول مرة إلى مونديال كرة القدم في المكسيك، وكانت هذه هي المرة الأخيرة.

وهذا العام، وفي مونديال قطر، ساهمت معظم الجماهير العربية وغير العربية في رفع أعلام فلسطين، وانتقاد إسرائيل وسياساتها الاستعمارية، وفي أحيان كثيرة مقاطعة وفدها الإعلامي. ويقول “مدار” إن هذا التقرير يسعى إلى استعراض عالم كرة القدم الإسرائيلي، ومن هي الأندية الأساسية، ومن هو المنتخب الإسرائيلي، وكيف يتم التعامل معه دولياً (سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي). ويترك التقرير السؤال مفتوحاً؛ لماذا تفشل إسرائيل في دخول المونديالات، وهل تملك حظوظاً في الوصول مستقبلا إلى المونديال؟ وهو سؤال رياضي وسياسي في آن واحد.

كرة القدم الصهيونية ما قبل قيام الدولة
بداية، يشير التقرير إلى أن كرة القدم الصهيونية كانت قد بدأت في فترة الاستعمار البريطاني، وانتظمت بشكل مُمَأسس من قبل القيادة الصهيونية في فترة الاستيطان اليهودي. وقد تأسس الدوري الأول الممتاز لكرة القدم الصهيونية في العام 1928. وفي بطولة فلسطين للعام 1932/1933، والتي أشرفت عليها حكومة الانتداب البريطاني، شارك الدوري الصهيوني الممتاز لأول مرة. خلال السنوات القليلة التي سبقت هذه البطولة، أصرّ “الفيفا” على أن بطولة الدوري الممتاز في فلسطين يجب أن تضم فرقاً صهيونية- عبرية، وفرقاً إنكليزية وفرقاً عربية. وبعد أن رفضت كل الفرق العربية المشاركة في هكذا دوري (بالطبع كان لاحتدام الصراع الصهيوني- العربي في حينه دور في هذا الرفض)، وافق “الفيفا” على انتظام البطولة الأولى في العام 1932/1933 والتي كانت تضم فقط فريقا إنكليزياً واحداً (فريق الشرطة البريطانية)، بالإضافة إلى ثماني فرق صهيونية هي هبوعيل تل أبيب (أقيم العام 1923)، هبوعيل حيفا (1924)، مكابي حشمونائي يروشلايم (1911)، مكابي تل أبيب (1906)، مكابي بيتاح تكفا (1912)، مكابي حيفا (1913)، مكابي نس تسيونا (1912) وهبوعيل القدس (1926).

يؤكد التقرير أن من المهم دراسة وتحليل عالم كرة القدم في فترة الانتداب (وهو ما لن يقوم به هذا التقرير في شكله الراهن)، لأسباب عدة:

1-كان هناك صراع سياسي بين كرة القدم الفلسطينية- العربية وبين كرة القدم الصهيونية- العبرية، وهو صراع لم تتم دراسته بشكل كاف. والنظر إلى تواريخ تأسيس الأندية الصهيونية لا يجب أن يعني أن الحياة الثقافية والرياضية المتطورة في فلسطين بدأت فقط من قبل المجتمع الصهيوني.

في مقالة لعصام الخالدي، يشير الكاتب إلى أن كرة القدم الفلسطينية العربية تطورت في فلسطين في وقت سابق على ذلك، مثل نادي مدرسة المطران المقدسي (أقيم عام 1899)، ونادي مدرسة الفرير المقدسي (1892)، ونادي مدرسة الفرندز للبنين في رام الله (1901)، وغيرها من الأندية. بيد أن خلافات سياسية تتعلق بطبيعة الصراع في فترة الاستعمار البريطاني جعلت الأندية العربية تنأى عن المشاركة في بطولات تضم فرقاً صهيونية. وفي العام 1934، أي بعد عام من إقامة الدوري الممتاز، انسحبت الفرق الفلسطينية وأسست الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني، والذي شهد تراجعات وتقدمات بحسب الأحداث السياسية، خصوصاً إبان ثورة العام 1936.

2- السبب الثاني، أن هناك اختلاطاً لدى العديدين في ما يخص ما يسمى “منتخب فلسطين” في فترة الاستعمار البريطاني، والذي شارك في العديد من المباريات الدولية، من بينها مباريات مع المنتخب المصري والمنتخب اللبناني والمنتخب الأسترالي. وينبّه تقرير “مدار” إلى أن هذا المنتخب الذي شكّلته حكومة الانتداب البريطانية كان معظم لاعبيه من الأندية الصهيونية.

استعراض لكرة القدم الإسرائيلية في العام 2022
مهما يكن من أمر، فقد مرت كرة القدم الإسرائيلية بالعديد من التطورات، خصوصاً غداة النكبة، وبعد إقامة إسرائيل، واليوم، كرة القدم فيها تنقسم إلى أندية مختلفة منتشرة في المدن والبلدات الإسرائيلية كافة، ويمكن تقسيمها إلى خمسة اتحادات:

اتحاد بيتار الرياضي: وقد أقيم العام 1924، ويضم حالياً العشرات من الأندية الموزعة على مدن وبلدات إسرائيلية، أهمها نادي بيتار القدس، نادي بيتار تل أبيب- بات يام، نادي بيتار كفار سابا، نادي بيتار حيفا، نادي بيتار نتانيا، نادي بيتار أشدود ونادي بيتار نورديا القدس، وغيرها. واتحاد بيتار انبثق عن حركة بيتار، وهو اسم مختصر يعني تحالف الشبيبة العبريين، على اسم يوسف ترومبلدور (1880-1920)، وهو يميني تنقيحي يعتبر بطلاً صهيونياً قتل على الحدود ما بين فلسطين ولبنان من قبل مقاومين فلسطينيين. ويعّبر النادي عن التيارات أو الجماهير اليمينية والتي وجدت في حركة حيروت اليمينية تعبيرا سياسيا لها، ومن ثم حزب الليكود. وتختلف أندية بيتار عن بعضها البعض من ناحية شدة تطرفها ويمينيتها، وربما يعتبر نادي بيتار القدس من أكثرها تطرفا وتشددا وعنصرية، اذ إن معظم قاعدته من الصهيونيين اليمينيين الشرقيين، وله تجمع مشجعين عنيف ومعاد للعرب يسمى “لافاميليا”.

اتحاد هبوعيل، أو هبوعيل للنشاطات البدنية: وهو الاتحاد العام الذي أسسه القادة الصهيونيون الذين يعبّرون عن التيار المركزي الغربي (الأشكنازي) المؤسس لـ إسرائيل. أقيم الاتحاد العام 1927، وهو يضم العديد من الرياضات إلى جانب كرة القدم وأهم الأندية الحالية التي تنشط في رياضة كرة القدم نادي هبوعيل تل أبيب ونادي هبوعيل حيفا.

اتحاد مكابي: أقيم أول ناد له في إسطنبول العام 1895، قبل أن يقوم ماكس نورداو (أحد أهم قادة ومؤسسي الحركة الصهيونية) بإلقاء خطاب في المؤتمر الصهيوني الثاني (1898) دعا فيه إلى إحياء ما يسمى “العبري ذو العضلات”، والذي يصبو إلى خلق الصهيوني، القوي، الرياضي والمؤثر، كي يتمكن من الظفر بطموحاته الصهيونية. ولدى اتحاد مكابي العديد من الأندية في إسرائيل والعالم، وأهم الأندية الإسرائيلية مكابي تل أبيب، مكابي حيفا، ومكابي القدس، وغيرها.

أليتصور: هو اتحاد أقيم العام 1939 لتمثيل الصهيونيين المتدينين، خصوصاً أتباع حركة هبوعيل همزراحي، ففي تلك الفترة، كان التيار النافذ في الحركة الصهيونية تياراً علمانياً، وكان يضم فعاليات عنيفة (ميليشيات مثل الهاغاناه) بالإضافة إلى فعاليات رياضية (مثل نوادي هبوعيل). ولما رفض قادة الهاغاناه/ هبوعيل السماح لليهود المتدينين بالانتظام في فرق أو أندية مغلقة على المتدينين وحدهم، قام المتدينون بإنشاء اتحاد أليتصور لتجنيد مقاتلين متدينين. بعد إقامة اسرائيل، تركزت نشاطات أليتصور أكثر في مجال الرياضة، وحالياً لدى الاتحاد ناديان أساسيان هما أليتصور تل أبيب- يافا، وأليتصور يهود.

آسا أو اتحاد الرياضة الأكاديمي: تم إنشاؤه في الجامعة العربية في القدس عام 1952 لإقامة فرق رياضية من الأكاديميين.

ويقول “مدار” إن تقسيم اتحادات كرة الرياضة الإسرائيلية على هذا النحو، ينبغي أن يستكمل من خلال وضع ملاحظتين:

أولاً، ثمة ثلاثة اتحادات (هي هبوعيل، مكابي وبيتار) تحظى بشعبية واسعة لدى الجمهور الإسرائيلي، وكل اتحاد يضم العديد من الأندية والتي لها مشجعون، ومناصرون، وتشارك في الدوري الأول الممتاز، وتقوم أحياناً بشراء لاعبين عالميين، أو محليين.

ولا يستطيع هذا التقرير الاستعراضي أن يلقي نظرة معمقة على كل ناد من الأندية الإسرائيلية، والذي لديه مساهمون من رجال الأعمال، ويقيم علاقات إخاء مع أندية أخرى عالمية، ولديه بروفايل كروي خاص به.

ثانياً، ثمة أندية عربية من فلسطينيي الداخل تلعب اليوم في الدوري الممتاز، بعض هذه الأندية مندرج ضمن الاتحادات المذكورة أعلاه، مثل هبوعيل أم الفحم أو مكابي أبناء الرينة، وبعض هذه الأندية مستقل ولا ينتمي إلى أي اتحاد، مثل نادي أبناء سخنين (تأسس العام 1999)، وهو أول ناد عربي يصل إلى الدوري الممتاز وسبق أن فاز بـ “كأس الدولة”.

إسرائيل وكأس العالم
لماذا يلعب منتخب إسرائيل (والتي تتواجد جغرافياً في قارة آسيا) ضمن تصفيات القارة الأوروبية؟

عن هذا السؤال يجيب التقرير أنه بعد إقامة إسرائيل عام 1948، صّنف “الفيفا” إسرائيل ضمن اتحاد كرة القدم الأوروبي، وشاركت في كل البطولات الأوروبية، بيد أن حظوظها كانت قليلة جداً أمام لاعبي كرة القدم الأوروبيين المحترفين. في نهاية الخمسينيات، ضغطت إسرائيل على الاتحاد العالمي لكرة القدم (الفيفا) ليتم إعادة تصنيفها ضمن القارة الآسيوية، وانضمت إليه بالفعل في الستينيات، حيث وجدت فرصاً سانحة لتحقيق إنجازات أمام المنتخبات الآسيوية والعربية الضعيفة في حينها. ففي العام 1960، وصلت إسرائيل إلى المكان الثاني في بطولة آسيا، ثم حظيت ببطولة آسيا عام 1964، ووصلت إلى تصفيات الألعاب الأولمبية في دورتي 1968 و1976. وفي العام 1970 شاركت إسرائيل في المونديال حيث تم إدراجها في المجموعة الثانية مع إيطاليا والأورغواي والسويد، فحلت الأخيرة على المجموعة بواقع تعادلين وخسارة. لكن كل هذه الإنجازات بدأت تنهار بسبب حركة المقاطعة العربية الواسعة في حينها، لدرجة أن “الفيفا” هو الذي بدأ يضغط على إسرائيل للخروج من قارة آسيا بسبب عدم انتظام العديد من المباريات، ومقاطعة العديد من الدول العربية وغير العربية الآسيوية لإسرائيل. حتى في مباريات دولية خارج الاتحاد الآسيوي، كانت إسرائيل تعاني من المقاطعات العربية، وأهمها مقاطعة المغرب لإسرائيل في مباراة مهمة كانت ستجري العام 1968. في العام 1977، خرجت إسرائيل من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وتم إدراجها ضمن اتحاد أوقيانوسيا (قارة أستراليا). في وقت لاحق، تعاطفت الدول الأوروبية مع إسرائيل، وتم أخيراً إعادتها إلى قارة أوروبا في العام 1992، ومنذ ذلك الوقت، فإن فرصها لتحقيق ألقاب، أو المشاركة في كأس العالم، أو الألعاب الأولمبية، تكاد تكون صفراً. وطبقا للتقرير فإن مياهاً كثيرة جرت في النهر منذ مقاطعة المغرب لإسرائيل في العام 1968، وحتى توقيع “اتفاقيات أبراهام” (مع البحرين والإمارات) عام 2021، ثم انضمام المغرب لهذه الاتفاقيات التي تقوم على مبدأ “السلام الدافئ”، والتطبيع الشامل سياسياً، عسكرياً، ثقافياً ورياضياً.

مونديال قطر
وقبل سنوات لم يكن باستطاعة أي وفد إعلامي إسرائيلي أن يتواجد في قطر، أو أن يمر من فوق أجواء السعودية، وهذا يعني أن إسرائيل تنظر بكل شوق للعودة إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وتعتقد بكل بساطة بأن “اتفاقيات أبراهام”، والعلاقات الآسيوية التي تتوسع باستمرار معها، ستساهم في تطبيع وجود منتخبها ضمن الاتحاد الآسيوي حيث يستطيع، ربما، تحقيق إنجازات والمشاركة في كأس العالم.

ويخلص “مدار” للقول: “بيد أن ردّات فعل الجماهير العربية والعالمية خلال مونديال قطر قد توقظ إسرائيل من نشوتها التي أعقبت “اتفاقيات أبراهام”، وتعيدها إلى الواقع، حيث ترفضها العديد من الجماهير العالمية التي لم تترك مباراة إلا ورفعت فيها علم فلسطين، ودعت إلى تحريرها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى