Categories: اراء

ليس لكم حل إلا الهجرة

مما يؤسف له أن يقال هنا أن الحل الوحيد المتاح أمام الأردنيين هو الهجرة، وقد كانت الدعوات للهجرة في زمن ما تواجه بالنقد واتهام صاحبها بعدم الوطنية، غير أن الواقع يقول شيئا آخر.
أكثر من مليون أردني يعيشون خارج الأردن، ومئات الآلاف في الأردن سنويا يحاولون الحصول على عقود عمل في الخارج، ولو بأجور متدنية، ومعهم أعداد كبيرة تحاول الحصول على تأشيرة سفر، إلى أي بلد، وقد تجد أردنيا في جزر المالديف، مثلما تجد أردنيا في الكويت، أو الولايات المتحدة.
هذا الاختلاف لا حل له داخليا، ونقرأ في الأرقام أن حوالات الأردنيين خلال عام 2021 وصلت إلى 2.4 مليار دولار، وسط مؤشرات متناقضة، إذ تارة ترتفع بسبب عدم كفاية قيمة الحوالات للعائلات والأفراد الذين يتسلمونها فيطلبون المزيد من أبنائهم في الخارج، بسبب الغلاء في الأردن، وأحيانا وفي بعض الشهور تنخفض جراء تضرر المغتربين أيضا، بسبب أوضاع مختلفة في الدول التي يعيشون فيها، إذ عليهم التزامات أيضا، وكثير منهم مدين للمصارف، ولبطاقات التسهيلات.
لبنان دولة حوالات، وهذا يعني أن أغلب اللبنانيين يعيشون خارج لبنان ويبرقون بالمال لعائلاتهم في لبنان، ولولا نموذج الحوالات اللبناني لتضرر اللبنانيون بشكل أكبر بكثير مما نراه الآن، وبالمقابل قد لا نبالغ إذا قلنا أن الأردن قد يتحول إلى نموذج مشابه، فنحن في الأردن نعيش من خلال ثلاثة نماذج، الأول الحوالات، وما من أردني في الخارج، إلا وينفق على عائلة ثانية في عمان، غير عائلته، أو يساعد على الأقل بشكل جزئي متقطع، والثاني العاملون في الوظائف الحكومية والمتقاعدون ورواتبهم جميعا منخفضة، والثالث الشغيلة والحرفيون وأجورهم جيدة، لكن أعمالهم متقطعة، وغير ثابتة، وهذه هي مصادر الدخل الأساسية التي يمكن تصنيف الغالبية العظمى على أساسها.
عشرات المليارات التي يجمدها الأردنيون في أرصدتهم في المصارف، لا تؤدي دورها في الاقتصاد الداخلي، بل إن المفارقة أن أسعار كل شيء ترتفع، والأموال مجمدة، بمعنى أن قيمتها الشرائية تتراجع، والذي كان يريد بناء غرفة بألف دينار مثلا، ولم ينفق من ماله المجمد لأجل بنائها، سيحتاج اليوم إلى ألف ومائتي دينار من أجل إتمامها، وهذا يعني أن تجميد المال، ليس منطقيا، ولا حكومة في الأردن، تمكنت من فك هذا الانجماد، واقناع الناس بتسييل أموالهم في البلد.
ما يراد قوله هنا، أن انتظار معجزة تحدث في الأردن، أمر سطحي جدا، فلا معجزات على الطريق، بل إن الأوضاع بمنطق الأرقام تزداد صعوبة، حتى لا نضحك على الناس، وربما مخرج النجاة الوحيد للشباب تحديدا، هو الهجرة والخروج، على الرغم من أن هذه الهجرة ليست متاحة بهذه البساطة، لكنها قد تكون الحل الوحيد الذي قد يفتح بابا هنا أو هناك، ما دامت الدولة لا تفعل شيئا للناس، وتفرط برأسمالها البشري، بل وتتفاخر بهجرة الكفاءات التي تم الاستثمار بها.
الهجرة هنا، لا تمس وطنية الإنسان، فهو ليس تحت اختبار، فوق الاختبار الذي يعيشه بسبب الضنك وضياع المستقبل، واذا كانت الدولة تريد أن تعمل معروفا مع شعبها، فلتوظف علاقاتها مع العالم من أجل تسهيل حصول الأردنيين على أعمال، أو تسهيل حصولهم على تأشيرات، من أجل تخفيف الاختناقات، ورحمة الشباب، الذين يضيع مستقبلهم، ويعيشون على الشعارات فقط.
يترك الإنسان وطنه مرغما، لأن بعض من يتولون أمور وطنه، يتفرجون عليه، ولا يستيقظ ضمير البعض، ليسأل عن مصير كل هؤلاء المحرومين، الذين لا مستقبل لهم في هذه الحياة.

Mahmoud Dabbas

Recent Posts

تسليم مفاتيح الكعبة ومقام إبراهيم للسادن رقم 78

تسلم السادن الـ 78 الشيخ عبد الوهاب بن زين العابدين الشيبي مفتاح الكعبة المشرفة. ويأتي…

16 دقيقة ago

سمية الخشاب توجه رسالة لطلاب الثانوية العامة: “الجو حر أسقطوا وخلاص”

عادت الفنانة سمية الخشاب لإثارة الجدل من خلال تغريداتها التي تنشرها عبر حسابها الرسمي بموقع…

ساعة واحدة ago

وزير الاقتصاد: السعودية وصلت إلى منتصف الطريق في رحلتها نحو رؤية 2030

قال وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل بن فاضل الإبراهيم، إنّ المملكة وصلت إلى منتصف الطريق…

3 ساعات ago

شرطة الرياض تقبض على وافد لانتحاله صفة غير صحيحة

قبضت دوريات الأمن بمنطقة الرياض على وافد، بتأشيرة زيارة من الجنسية السورية، لانتحاله صفة غير…

4 ساعات ago

اختفاء ودائع بقيمة 109 ملايين دولار في لحظة من شركة تكنولوجيا مالية

تظهر دفاتر شركة سينابس الوسيطة الفاشلة في مجال التكنولوجيا المالية أن جميع الودائع تقريبًا المحتفظ…

5 ساعات ago

إنجلترا تتعادل مع سلوفينيا وتتأهل مُتصدرة في يورو 2024

 اكتفى مُنتخب إنجلترا بنقطة التعادل أمام مُنتخب سلوفينيا وذلك في ختام دور المجموعات لمُسابقة كأس أمم أوروبا “يورو2024”. إنجلترا…

6 ساعات ago