فن

ما حصل مع تايلور سويفت يدق ناقوس الخطر.. من يحمي الناس من “التزييف العميق”؟

ليس أمراً بسيطاً أو عرضياً أن يستيقظ شخص ما ليجد صوراً عارية له، لم يسبق له أن التقطها، تغزو مواقع التواصل الاجتماعي وتحقق ملايين المتابعات، أو أن يتلقى هذه الصور في بريده مع تهديدات بالنشر بهدف الابتزاز المالي أو الجنسي. وفي الوقت نفسه، ما عاد هذا السيناريو مستبعداً، ولا أحد بمنأى عنه.

شكلت قضية نشر الصور الإباحية المزيفة لنجمة البوب الأميركية تايلور سويفت الأسبوع الماضي، جرس إنذار عالميا نبه إلى المخاطر التي بات يمكن أن تنتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في سياق إنتاج محتوى التزييف العميق، ولاسيما الإباحي منه، وعلى رأسها هاجس الابتزاز الجنسي، الذي عادة ما يطال الفئات الأضعف في المجتمع، كالنساء والأطفال.

كما طرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل خصوصية مستخدمي الإنترنت في ظل هذه القدرات التوليدية الآخذة بالتطور للذكاء الاصطناعي، وحول سبل الحماية من الآثار المترتبة على  انتشار هذه التقنيات على نطاق واسع في ظل انكشاف المعلومات والصور الشخصية لمستخدمي الإنترنت حول العالم.

واتجهت هذه التساؤلات نحو الأطراف المعنية والمسؤولة عن تدارك هذه التهديدات، وعلى رأسها الشركات المشغلة لمنصات التواصل الاجتماعي، والتي باتت مطالبة أكثر من قبل باتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة انتشار التزييف العميق، ولاسيما الإباحي منه. إضافة إلى السلطات التشريعية في الدول، والتي بات على عاتقها واجب اللحاق بالتقدم التكنولوجي لإقرار قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي وتكافح سوء استعماله، تقر آلية محاسبة للمرتكبين وتعويضا للضحايا.

والتزييف العميق (Deep fake) يعتبر أحد أشكال الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد على قاعدة بيانات من الصور والمقاطع المصورة بهدف إنشاء صور أو مقاطع متخيلة بالصوت والصورة بشكل مقنع.

دفع قانوني في الولايات المتحدة

أثارت صور سويفت صدمة في الوسط الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث أعطى استهداف المغنية الشهيرة دفعاً قوياً للمشرعين المتحمسين في الكونغرس لإقرار قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي، لاسيما التوليدي منه.

وكان البيت الأبيض قد أبدى انزعاجه وقلقه من واقعة انتشار صور سويفت المزيفة، حيث أطلق تحذيراته في هذا السياق لمنصات التواصل الاجتماعي.

وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، في 26 يناير، إن شركات التواصل الاجتماعي “لها دور مهم تلعبه في تطبيق قواعدها الخاصة”، لمنع انتشار مثل هذه المعلومات المضللة.

وأضافت “هذا أمر مقلق للغاية. لذا سنفعل ما في وسعنا للتعامل مع هذه القضية”، مضيفة أنه يتعين على الكونغرس اتخاذ إجراء تشريعي بشأن هذه القضية.

وفي تصريحات صحفية إضافية قالت جان بيير: “بينما تتخذ شركات وسائل التواصل الاجتماعي قراراتها المستقلة بشأن إدارة المحتوى، نعتقد أن لديها دورا مهما تلعبه في إنفاذ قواعدها الخاصة لمنع انتشار المعلومات المضللة والصور الحميمة لأشخاص حقيقيين دون الحصول على موافقة”.

وظلت صور سويفت منتشرة دون أي تدخل من منصة إكس، لمدة 17 ساعة، حيث حصلت في المنشور الأساسي على نحو 45 مليون مشاهدة، و24 ألف إعادة نشر، كما حصلت على إعجاب من آلاف الحسابات، قبل أن تتدخل المنصة وتحذف الصور وتحجب البحث عن اسم تايلور سويفت.

وبدأ مصطلح التزييف العميق بالظهور والتداول عام 2017، ومنذ ذلك الحين ازداد المحتوى المزيف والصور الإباحية المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي بصورة كبيرة جداً، خاصة بعدما سهلت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية إنتاج هذا المحتوى بشكل واسع، جرى استخدامه في حالات كثيرة في سياق الابتزاز والتنمر والتحرش وتشويه السمعة.

ومع ذلك حتى الآن، لا يوجد مواد قانونية لإنصاف الضحايا والتعويض عليهم ومكافحة هذا المحتوى ومحاسبة منتجيه بشكل رادع في دول كثيرة حول العالم، من بينها الولايات المتحدة، التي وعلى الرغم من أن معظم ولاياتها أصدرت قوانين تحظر المواد الإباحية غير الرضائية، إلا أن عدداً قليلاً يرصد المحتوى الإباحي غير الرضائي المولد بتقنيات التزييف العميق والذكاء الاصطناعي.

وفي أول رد فعل تشريعي على ما يحصل، اقترح مشرعون أميركيون السماح بمقاضاة الأشخاص بسبب الصور الإباحية المزيفة.

وبحسب موقع ذا فيرج” سيضيف قانون تعطيل الصور المزورة الصريحة والتحريرات غير التوافقية (DEFIANCE) حقًا مدنيًا في دعوى “التزييف الرقمي” الحميم، الذي يصور شخصًا يمكن التعرف عليه دون موافقته، مما يسمح للضحايا بتحصيل تعويضات مالية من أي شخص “أنتج أو امتلك” الصور عن علم، أو بقصد نشرها.

مشروع القانون المقدم إلى الكونغرس يعتمد على بند في قانون إعادة تفويض قانون العنف ضد المرأة لعام 2022، والذي أضاف حقا مماثلا في رفع دعوى للصور الفاضحة غير المزيفة، ويأتي كنتيجة للتزايد الكبير في إنتاج ونشر صور الذكاء الاصطناعي الصريحة التي تم التلاعب بها رقميًا.

وكانت مدرسة ثانوية بولاية نيوجيرسي قد شهدت واقعة مشابهة جرى من خلالها مشاركة صور عارية تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لطالبات من دون موافقتهن.

وهو ما دفع منتصف يناير الماضي النائب عن الحزب الديمقراطي جوزيف موريل إلى اقتراح قانون جديد باسم “قانون منع التزييف العميق للصور الحميمة”، داعياً إلى عدم انتظار “الحادث الجماعي التالي حتى نتصدر الأخبار”، مؤكداً أن هذا الأمر “يحدث كل يوم للنساء في كل مكان”.

ولكن العديد من مشاريع القوانين المطروحة على الكونغرس، والتي تتناول الذكاء الاصطناعي والمواد الإباحية غير التوافقية، لم يتم إقرارها بعد.

تايلور سويفت ليست الوحيدة

موقع سويفت بين نجوم الصف الأول في الولايات المتحدة والعالم، منحها نوعاً من الحصانة في وجه التأثيرات السلبية لهذه الصور على سمعتها وحياتها الشخصية، كما أمن لها تضامناً رسمياً واجتماعياً واسعاً، ساهم في صد الحملة عليها.

 إلا أن ذلك ليس حال النسبة الأكبر من ضحايا التزييف الإباحي العميق، خاصة وان استهداف المشاهير والسياسيين ليس الوجهة الوحيدة لمستغلي هذه التقنية، وفق ما يؤكد الخبير في التحول والحوكمة الرقمية رودي شوشاني في حديثه لموقع “الحرة”.

تحول الجريمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى تهديد فعلي للناس لم يعد مجرد احتمال للتحذير منه، بل بات حقيقة واقعة، “حيث بتنا في مرحلة عدم القدرة على تمييز المزيف من الحقيقي” بحسب شوشاني، “وبات هناك ضرورة للتساؤل حول كل ما نراه. “

الناس العاديين، النساء خصوصاً، والأطفال أيضاً، باتوا عرضة لهذا التزييف، في ظل الانتشار الواسع والوصول السهل لهذه التقنيات والأدوات، مع ما يمكن أن ينتج عنه من آثار كارثية على الصعيد الاجتماعي والأسري والفردي، أبرزها هاجس الابتزاز وتشويه السمعة وإلحاق الضرر النفسي والمعنوي.

وبحسب تقرير سابق للصحيفة “واشنطن بوست” حول ذلك، تقول “جميع من لهم صور على الإنترنت قد تطالهم أخطار الذكاء الاصطناعي، ولكن النساء قد تشكل هذه التكنولوجيا كابوسا لهن، ما يجعلهن عرضة أكثر للاستهداف”.

وسبق أن أشارت دراسة عام 2019 لشركة “سينسيتي” للذكاء الاصطناعي والمخصصة في رقابة المقاطع المزيفة، إلى أن “96 بالمئة من مواد التزييف العميق كانت إباحية، و99 بالمئة منها تستهدف النساء”.

فيما أشار خبراء لمجلة “فوربس” إلى أن المشاهير قد يكونوا الأكثر عرضة للاستهداف بهذه التقنيات، خاصة في ظل توفر صور ومقاطع كثيرة لهم على الإنترنت.

ماذا لو؟

في سبتمبر الماضي، هزت أزمة كبرى بلدة ألمندراليخو الصغيرة الواقعة جنوبي إسبانيا، بعد تداول صور عارية لفتيات صنعت بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وأوردت صحف إسبانية وبريطانية، آنذاك، أن الشرطة فتحت تحقيقا بعد إبلاغ أمهات بتداول صور، تم تعديلها بواسطة الذكاء الاصطناعي، لأكثر من 20 فتاة من 4 مدارس من أصل 5 في البلدة التي يبلغ عدد سكانها نحو 30 ألف شخص.

سبق ذلك حملات عرفت باسم “الانتقام الإباحي” استهدفت ناشطات نسويات ونساء من خلال تزييف صور وجوههن على مقاطع فيديو إباحية بهدف الانتقام منهن.

وفي هذا السياق برزت قصة كايت آيزاكس، المواطنة البريطانية الناشطة في سبيل سحب المحتويات الإباحية المنتجة بدون الحصول على موافقة من موقع “بورنهاب”، حيث كانت بدورها ضحية تزييف عميق لوجهها على مقطع إباحي في سبيل الانتقام منها، وبحسب ما نقلت عنها شبكة “بي بي سي” فقد “انهارت” حين نشر فيديو إباحي “فائق الواقعية” يستخدم وجهها على تويتر.

كذلك أظهرت عملية بحث نقلتها صحيفة واشنطن بوست في أحد تقاريرها، وبعد مراجعة أكثر 40 موقعًا شيوعًا بحثًا عن مقاطع الفيديو المزيفة، تبين إضافة أكثر من 143000 مقطع فيديو في عام 2023 وحده – وهو رقم يفوق جميع مقاطع الفيديو المنشورة من عام 2016 إلى عام 2022.

وإضافة إلى “الانتقام الإباحي”، تدور مخاوف حقيقية من إمكانية استغلال تكنولوجيا التزييف العميق في سبيل إنتاج مواد إباحية غير قانونية أو محظورة، مثل المحتوى الإباحي المرتبط بالأطفال أو تلك التي تظهر أفعالا عنيفة أو جرائم جنسية، فضلاً عن انتهاك خصوصية الأفراد والأطفال واستخدام صورهم المنشورة من أجل توليد صور أو مقاطع إباحية تظهرهم من دون أي إذن منهم.

يفترض شوشاني مثلاً أن فتاة تعيش في عائلة محافظة ومجتمعات ملتزمة، نشر لها مثل هذه الصور المزيفة على الانترنت، ويسأل: “هل يمكن تخيل ردة الفعل التي ستواجه الفتاة قبل حتى أن تطرح فكرة التأكد من صحة الصور؟ بعض المجتمعات من غير الوارد أن تتقبل ذلك أو أن تتغاضى عن اعتبارات الشرف والعرض بانتظار التدقيق أو الحقيقة.”

ويضيف “ماذا لو لم تكن متاحة إمكانية التأكد بسبب نقص الأدوات أو المعرفة الرقمية اللازمة، أو في ظل عدم إلمام العائلة بالثقافة الرقمية اللازمة لاستيعاب فكرة التزييف العميق؟ هذه الأمور بدأت تحصل بالفعل وآثارها خطرة جداً.”

ويتابع الخبير الرقمي “ماذا سيفعل الأهل حين يتلقون هكذا صور لأبنائهم، كيف سيتأكدون؟ هل يعلمون بالأدوات اللازمة تقنياً؟ هل هناك أصلاً أدوات مرجعية دقيقة لإثبات ذلك؟ الجواب لا يوجد حتى الآن، وهو ما سيضع العائلات في ورطة.”

كل ذلك يمكن أن يزيد من عمليات الابتزاز والتشهير والانتقام، بحسب شوشاني، الذي يضرب مثلاً بالعودة إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية في لبنان، والاطلاع على حجم قضايا الابتزاز الجنسي بالصور والفيديوهات من هذا النوع، لافتاً إلى أنه “في أحيان تصل هذه الأمور بالضحية للانتحار بسبب الخوف من تبعات الأمر والتهديدات.”

وسبق أن حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي في يونيو 2023 من تزايد حالات الابتزاز الجنسي من قبل المحتالين الذين يطالبون بدفع أموال أو صور مقابل عدم توزيع صور جنسية. ونقلت واشنطن بوست عن المكتب قوله إنه حتى سبتمبر 2023، وقع أكثر من 26800 شخص ضحايا لحملات “الابتزاز الجنسي”، بزيادة قدرها 149 في المئة عن عام 2019، فيما لم يجر تحديد نسبة الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي من تلك الحقيقية.

القانون.. حاجة وضرورة للردع

في ظل كل هذه الأخطار والتجارب السابقة المسجلة، وآخرها قضية تايلور سويفت، يبرز التساؤل حول المسؤوليات والجهات التي يفترض أن تمارس دورها في مكافحة وتقليل الأضرار الناجمة عن التزييف العميق، إضافة إلى تحصيل حقوق الضحايا والتعويض عليهم ومحاسبة المرتكبين.

كلام المتحدثة باسم البيت الأبيض وضع الكرة في ملعب كل من منصات التواصل الاجتماعي، والسلطات التشريعية في الكونغرس.
وبالإضافة إليهم يحمل الخبراء المسؤولية أيضاً للشركات التي تقدم خدمات التعديل والتصميم بالاعتماد على توليد الذكاء الاصطناعي. حيث يجد شوشاني أن المسؤولية المباشرة بالدرجة الأولى تقع عليهم، خاصة وان “بإمكانهم عند تقديم خدماتهم او خلق هذه التكنولوجيا أن يتم ذلك بصورة سليمة تحاكي النظم والأخلاقيات وحقوق الإنسان، بشكل يمنع عملية استغلالها السلبي وضمنها التزييف الإباحي العميق.”

ويؤكد الخبير التقني أن هذه الضوابط يمكن وضعها، وكل شركة قادرة تقنياً على ذلك، ولكن بغياب القوانين والتشريعات التي تفرض ذلك، “تجد الشركات هذه الإجراءات مكلفة مادياً وعلى صعيد الجهد والالتزام”، وبالتالي لا تجد نفسها مضطرة لذلك في وقت تسعى فيه لترويج منتجاتها وتسويقها بكامل إمكاناتها، “خاصة في الفترة الأولى التي يسعون فيها لكسب المال”. وهو ما يجعل إيجاد القوانين الجزائية الملزمة أمراً ضرورياً في سياق الحل.

من جهته يرى عبد قطايا، مدير المحتوى الرقمي في منظمة “سمكس” المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في العالم الرقمي، أنه لا يمكن إلا للحكومات والدول أن تلعب هذا الدور في الإمساك بالأمور ووضع حد للتفلت الحاصل، خاصة أن كل الأطراف الأخرى غير قادرة على ذلك بصورة تامة.

 ويضيف “حتى الأفراد ما عادوا قادرين على حماية انفسهم من الذكاء الاصطناعي في هذا الجانب، فصورنا منتشرة على كل المنصات ومواقع التواصل ضمنها تلك القديمة جداً التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي ويزيف على أساسها ويستطيع حتى تنبؤ الشكل الحالي للأشخاص من صورهم القديمة.”

ويلفت إلى أن الاتحاد الأوروبي كان سبّاقاً في هذا الجانب لناحية طرحه قانون AIact الذي يعتبر الأول من نوعه عالمياً، والذي ينظم عمل المنصات التي تقدم خدمات الذكاء الاصطناعي، ويضمن آلية حماية للخصوصية.

يذكر أن الحكومة البريطانية في نوفمبر أعلنت أنها تعتزم حظر تشارك الفيديوهات الإباحية المنتجة بواسطة “التزييف العميق” التي تعدّ بدون موافقة الضحايا.

وضع الدول لمثل هذه القوانين من شأنه، بحسب قطايا، أن يمنع منصات الذكاء الاصطناعي عن تقديم مثل هذه الخيارات للمستخدمين، عبر إجبار الذكاء الاصطناعي على عدم خلق مثل هذه الصور والفيديوهات المزيفة خاصة المرتبطة بالتصوير الجنسي الصريح.

إضافة إلى ذلك من شأن القانون أن يجبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي والشركات المشغلة لها على إدراج أدوات فعالة لملاحقة ومكافحة انتشار مثل هذه الصور المزيفة، في سبيل حماية المستخدمين.

كذلك يبقى دور ثالث للقانون يتعلق بما لا يولد أو ينشر عبر المنصات العامة، حيث يمكن انشاء وتوزيع هذه الصور عبر تطبيقات الدردشة المشفرة، وهنا يأتي دور القانون الجزائي مجدداً، بحسب قطايا، في ملاحقة ومعاقبة الجهات التي تولد وتنشر هذه الفبركات ما يشكل رادعاً.

لكن الواقع الحالي بحسب شوشاني أن التشريعات والقوانين العالمية “لازالت بطيئة جداً ومتأخرة بشكل كبير عما ينتج اليوم عن الذكاء الاصطناعي من تهديدات، وضعيفة في مواجهته، وذلك بسبب وجود قلة خبرات وعدم إدراك كامل للمخاطر، لاسيما وان عملية التزييف العميق سبقت ظهور وانتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، ومنذ ذلك الحين كان يجب ضبطها بتشريعات مناسبة.

مسؤولية مواقع التواصل ومحركات البحث

أما عن مسؤولية الشركات المشغلة لمواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، يعتبر شوشاني أن مسؤوليتهم تكمن في الحد من انتشار هذه المواد، ومكافحتها. ويضيف: “حتى الآن يقولون أنهم يعملون على هذا الأمر، ولكن النتائج لا تشير إلى جهد كبير في هذا الجانب، فيما تجني هذه الشركات أرباحها من استغلال الناس بدون ضوابط.”

ويرى الخبير الرقمي أن حماية خصوصية المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي تحتاج من الشركات المشغلة جهداً أكبر، كما يحصل مثلاً في الجانب الموسيقي، المضبوط بقوانين حماية الملكية الفكرية الذي يفرض متابعة وغرامات وسبل تحصيل أرباح، بعكس حماية الخصوصية الإنسانية للمستخدمين الذي يعتبر بالنسبة لتلك الشركات جهد دون مقابل.”

من ناحيته يلفت قطايا إلى أن الشركات المشغلة لوسائل التواصل الاجتماعي تستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل في عملية مراقبة المحتوى وإدارته، وذلك منذ مدة طويلة، وهو ما استخدم في مكافحة الجماعات الإرهابية والمحتوى المروج لها، حيث تلتقطها وتعالجها بصورة فورية، وهو ما يجب اليوم استخدامه وتطويره للتعامل مع الdeep fake  المولد بالذكاء الاصطناعي.

ويتابع: “مثلما تم استخدام الذكاء الاصطناعي في التزييف يمكن استخدامه في كشف التزييف، لكن يحتاج ذلك إلى إرادة حقيقية لدى الشركات، ومجهود ينطوي على تكلفة أعلى، وهو ما يمكن لتلك الشركات أن تخصصه من أرباحها الضخمة، في ظل وجود قدرة تقنية على ذلك.”

ووجد تقرير لموقع WIRED أن المدخل إلى العديد من مواقع الويب والأدوات اللازمة لإنشاء مقاطع فيديو أو صور مزيفة بعمق هو من خلال محركات البحث حيث يجد 50 إلى 80 بالمائة من الأشخاص طريقهم إلى مواقع الويب اللخاصة بالتزييف عبر البحث، ويعد العثور على مقاطع فيديو عميقة التزييف من خلال البحث “أمرًا تافهًا”، ولا يتطلب من الشخص أن يكون لديه أي معرفة خاصة حول ما يجب البحث عنه.

وينقل الموقع عن الخبراء قولهم إنه إلى جانب القوانين الجديدة، “هناك حاجة إلى تعليم أفضل حول التقنيات، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير لوقف انتشار الأدوات التي تم إنشاؤها لتسبب الضرر. ويشمل ذلك الإجراءات التي تتخذها الشركات التي تستضيف مواقع الويب وكذلك محركات البحث.”

في هذا السياق يقول شوشانني إن شركات مثل غووغل ومايكروسوفت تحاول في هذا السياق انتاج أدوات لكشف التزييف المولد بالذكاء الاصطناعي، “ولكن التكنولوجيا نفسها لا تزال متقدمة بأشواط على تلك المحاولات التي لا تزال بأول الطريق، وهو ما يجعل المخاطر القائمة أمراً واقعاً يجب التعامل معه ولاسيما من ناحية القوانين التي باتت تحتاج تحديثاً لتتمكن من المواكبة.”

ويشير إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية التوليد لا يوجد له مقابل تقني موازي في عملية التدقيق، “هذا الموضوع صعب جداً تقنياً ويحتاج جمع داتا كبيرة جداً عن كل الناس في مكان واحد، الأمر الذي قد ينطوي بحد ذاته على خطورة كبيرة”.

وتمتلك الشركات الكبرى مثل غوغل، سياسات متعلقة بمنع ظهور الصور الجنسية التي التقطت دون موافقة، من الظهور عبر محرك البحث الخاص بها، لكن وسائل الحماية من انتشار الصور المزيفة ليست قوية، بحسب واشنطن بوست.

وقال المتحدث باسم غوغل، نيد أدريانس، إن شركته “تعمل بجدية من أجل توفير مزيد من الحماية في عملية البحث”، وأنها “تمنح المستخدمين حق طلب حذف المواد الإباحية المزيفة والمنتشرة بشكل غير طوعي”.

بدورها أكدت كبيرة مسؤولي السلامة الرقمية في شركة مايكروسوفت كورتني جريجوار، في تصريح صحفي إن الشركة لا تسمح بالتزييف العميق، ويمكن الإبلاغ عنها من خلال نماذج الويب الخاصة بها. وأضافت: “يعد توزيع الصور الحميمية غير التوافقية انتهاكًا صارخًا للخصوصية الشخصية والكرامة وله آثار مدمرة على الضحايا”. “تحظر Microsoft تلك الصور على منصاتنا وخدماتنا، بما في ذلك التماس NCII أو الدعوة إلى إنتاج أو إعادة توزيع الصور الحميمة دون موافقة الضحية.”

انتهاك شامل

يخلص الخبراء إلى أن المسؤولية في مواجهة مخاطر التزييف العميق تقع على كل الجهات المعنية مجتمعة، ويتوقف نجاح أي جهود في ذلك السياق على التعاون والتكامل بين الجانب القانوني والجوانب التقنية المتعلقة بالإنتاج والنشر.

وبحسب شوشاني فإنه ليس من السهل في القريب العاجل الوصول إلى حل لهذه المشكلة، وذلك نتيجة التعقيد الكبير للقضية، ولكن هذا لا يمنع التعاون بين مختلف الجهات، “وذلك بوتيرة أسرع بكثير عن تلك الجارية حالياً للتمكن من مواكبة القدرات الهائلة للتطور التكنولوجي الذي بات سريعاً جداً.

ويضيف “خلال العامين المقبلين سنشهد تسارعاً في قدرات الذكاء الاصطناعي بقدر 10 أضعاف عما هو اليوم، أي ان العالم مجبور اليوم على إيجاد الحل لتطبيقه مسبقاً وإلا فإننا نتجه إلى مكان مخيف جداً على الصعيد الرقمي، وإلى حين وجود ذلك الحل الناس الآن مستباحة تماماً.”

ويؤثر التزييف العميق على كثير من جوانب الحرية الرقمية والخصوصية على الانترنت، بحسب قطايا، فهو بالدرجة الأولى يدفع لفرض رقابة ذاتية على الأفراد، حيث يتردد كثيرون بسبب ذلك في نشر صورهم ومعلومات عنهم عبر الانترنت ولا تقتصر هذه الهواجس على الابتزاز الجنسي، حيث يمكن استخدامه من قبل السلطات في سبيل القمع أو من قبل جهات إرهابية أو عصابات إجرامية في سبيل الاحتيال والنصب.

وتشمل تلك “الاستباحة” التي تحدث عنها شوشاني انتهاكات بالجملة لحقوق الأفراد، “أبرزها حقوق الخصوصية، وحرية التعبير، السمعة، الحقوق الرقمية”، ويضيف “الفرد اليوم عرضة للانتهاك من جميع النواحي وبمختلف حقوقه تقريباً.”

ويختم محذراً أن الوضع الحالي وبالقوانين الموجودة وسياسات مواقع التواصل الاجتماعي القائمة، “للأسف ليس هناك من حل لهذه المشكلة، والأسوأ أن أحداً لا يأخذ الأمر بالجدية اللازمة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى