اراء

مشكلة الاقتصاد مالية

سلامة الدرعاوي

الاقتصاد الوطنيّ يمر بظروف صعبة نتيجة تداعيات الحالة المتأزمة في الإقليم، والتي لها انعكاسات خطيرة على الأردن لعل ابرزها في تراجع الاستثمارات والتدفقات السياحية.
لكن هذه الظروف الصعبة التي تحيط بالمملكة ليست حالة استثنائية، ولا اعتقد ان الأردن سار فترة دون وجود تلك التحديات والتي تطورت فيما بعد وباتت تحديات داخلية أيضا، لكن في كل مرة تتولد فرص ومؤشرات إيجابية تساهم في عودة الاستقرار النسبي للاقتصاد.
لنكن صريحين مع انفسنا وطرحنا، المشكلة الرئيسية التي يعاني منها الاقتصاد الوطنيّ هي مشكلة الماليّة العامة، وهي مشكلة أزلية وليست وليدة اللحظة، فالعجز المالي مزمن منذ تأسيس الإمارة، ووصل في بعض الفترات الى اكثر من 35 % من النفقات العامة، والمديونية من يوم لآخر في ارتفاع مستمر، فحاجة الخزينة للتمويل الخارجي والداخلي تتزايد هي الاخرى، وهذا سببه الرئيسي تنامي نفقات الدولة بشكل غير مدروس.
نعم نفقات الدولة وتزايدها بشكل عشوائي زادت ضغوطات مالية كبيرة على الخزينة التي بدورها اتخذت كافة الاجراءات التي من شأنها توفير الأموال لتمويل نفقات الحكومة المتزايدة.
للأسف هذه الاجراءات كانت على حساب القطاع الخاص، من رسوم وضرائب وجمارك وغيرها من القرارات الماليّة التي شكلت ضغوطات كبيرة على القطاع الخاص وساهمت بتقليل ربحيته، وشكلت تحديا امام استمرارية اعماله وانشطته وتوسعه الاستثماري.
بمعنى آخر ان فشل السياسات الحكومية في إدارة الاقتصاد الوطنيّ، وتقاعسها في اتخاذ التدابير الماليّة الوقائية والتي جعلت النفقات العامة الخيار الأسهل للحكومات المختلفة في مواجهة المطالب الشعبية من مختلف الجهات.
الحكومات ارتكبت مخالفات جسيمة بزيادة الإنفاق لانها خالفت جميعها قانون الموازنة العامة الذي حدد لها سقوفا إنفاقية لا يجوز تجاوزها إلا في حالات استثنائية، لكن الاستثناء الذي اعتادت الحكومات على سلوكه هو الانفاق العشوائي وتجاوز قانون الموازنة من خلال التعيينات واستخدام المؤسسات والهيئات، وعدم التوظيف الإيجابي للمنح والمساعدات الخارجية بشكل ينعكس على معدلات النموّ ويحقق قيمة مضافة عالية على الاقتصاد الوطنيّ كما حصل في المنحة الخليجية على سبيل المثال لا الحصر.
القطاع الخاص هو الذي دفع ثمن هذا الفشل الإداري الرسميّ للاقتصاد، ومع كل ما فرض عليه من أعباء، الا انه ظل صامدا، ويواجه هذه التحديات بتطوير آليات اعماله وتنويعها، وحافظ كذلك على قدرته الربحية التي مكنته من الاستمرار، ومن الوفاء بالتزاماته تجاه الخزينة التي ارتفعت ايداعاتها المحلية عاما بعد عام، نتيجة نمو ارباح القطاع الخاص.
قلنا سابقا ونعيدها مرة اخرى، مشاكل القطاع الخاص غالبيتها ليست ماليّة، وإنما مشاكل وعقبات إدارية بحتة، وهذا ما يستوجب على الحكومات التعامل الإيجابي مع تلك المطالب والتحديات التي تعترض بيئة الاعمال المحليّة، وان تزيلها وتبسط الاجراءات امام رجال الاعمال قدر الإمكان، وهذا لمصلحة الخزينة، فنمو اعمال القطاع الخاص يعني مزيدا من التحصيلات الضريبيّة وغيرها لصالح الخزينة.
تبقى المشكلة الرئيسية في الاقتصاد وهي القطاع العام ونفقاته المتزايدة وإنتاجيته القليلة، وهذا تحد كبير ولن يحل بالاسلوب التقليدي، العلاج مكلف نتيجة لتأخر الحكومات في اتخاذ التدابير العلاجية اللازمة في وقتها ، وهو سيضع تحدي اخر وكبير على كاهل اي حكومة لمواجهة هذا التحدي الذي بات يستنزف موارد الاقتصاد الوطني دون فائدة تنموية شاملة، فهل تقوى الحكومة على ضبط سلوكيات الإنفاق العام واتخاذ قرارات جريئة لضبطه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى