تقنية

نتائج كارثية..هل يمكن الاعتماد على ChatGPT في التخطيط للسفر؟

أثار ظهور روبوت الدردشة “تشات جي بي تي” (ChatGPT)، الذي أخرج تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي للعلن، لأول مرة في العالم خلال شهر نوفمبر 2022، الكثير من القلق، من إمكانية تأثير هذه التكنولوجيا الجديدة سلباً على دور البشر، حيث يحاول الخبراء يومياً استكشاف قدرات الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي وتجربة إمكانياته، وذلك بهدف التأكد من مدى قدرته فعلاً على أن يحل مكان البشر في الوظائف.

وفي وقت يتم فيه التعريف عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، بأنه كناية عن برامج تحاكي الذكاء البشري بواسطة الآلات، وخاصة أجهزة الكمبيوتر، ويمكنها أداء المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشرياً، مثل الإدراك البصري والتعرف على الكلام واتخاذ القرار وترجمة اللغة، إلا أن اختباراً أجرى مؤخراً لـ “تشات جي بي تي”، أظهر أن تعاظم الخوف البشري من تنامي قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتخطيه لحدود فهم الإنسان هو أمر مبالغ فيه في الوقت الراهن.

نتائج كارثية

هذه النتيجة تم التوصل اليها، بعد أن أظهر “تشات جي بي تي” نتائج كارثية في إمكانية التخطيط لرحلة سفر، مقارنة بقدرات الإنسان، حيث كشف تقرير لـ CNBC Travel، أنه بعدما بات بإمكان المسافرين اللجوء إلى روبوتات الدردشة العاملة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، لمساعدتهم على التخطيط لرحلة السفر، تم الطلب من “تشات جي بي تي” ومن وكيل للسفر، تقديم خططهم المتعلقة برحلة لمدة يومين لأربعة أصدقاء، جميعهم في منتصف العشرينات من العمر، إلى ملبورن، أستراليا.

وتكمن المفارقة في أن “تشات جي بي تي” ارتكب أخطاء صارخة في إجاباته، يمكن أن تتسبب بإفساد الرحلة في حال تم الاعتماد عليه. ففي إجابته عن طلب تقديم توصية لثلاثة أماكن للإقامة في ملبورن بها حمام سباحة وصالة ألعاب رياضية، وتقع بالقرب من شارع سوانستون، وسعرها أقل من 500 دولار في الليلة، أوصى “تشات جي بي تي” بثلاثة أماكن أقفلت ولم تعد في الخدمة.
كما أن بعض هذه الأماكن كانت تفتقر إلى حمام سباحة وصالة ألعاب رياضية، ما يعني أن إجابته خاطئة في مطلق الأحوال، في المقابل كانت التوصيات التي قدمها وكيل السفر صائبة تماماً.

وأخطاء “تشات جي بي تي” لم تنته عند هذا الحد، فعندما طُلب منه توفير خيارات تناول الطعام للإفطار والغداء والعشاء ومشروبات ما بعد العشاء لمدة يومين، كرر “تشات جي بي تي” فعلته، مقدماً لائحة اقتراحات تضم بعض المطاعم المغلقة، ومطاعم أخرى جيدة يمكن الوصول إليها عبر غوغل. لكن على العكس من ذلك، اقترح وكيل السفر أماكن أكثر تخصصاً وتمثل ثقافة ملبورن الفريدة.

وفي الاختبار الثالث تم الطلب من “تشات جي بي تي” ومن وكيل السفر التوصية بمكان غير معروف جيداً للمسافرين في ملبورن، إذ أوصى وكيل السفر بأحد المقاهي المجهولة بالنسبة للسياح، في حين أوصى “تشات جي بي تي” بمواقع مشهورة يقصدها السياح.

لا بديل عن البشر في عالم السياحة
يقول عامر دبوسي، الشريك التنفيذي في شركة Eagle Travel للسياحة والسفر، في حديث لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها “تشات جي بي تي” عندما طلب منه التخطيط لرحلة سفر، تثبت أن هناك الكثير من الأمور، التي لن يكون بمقدور الآلة فعلها كما يفعلها الإنسان.

وأوضح أن برامج الذكاء الاصطناعي، مهما تطورت، لن يكون بإمكانها تقديم الخدمات المتعلقة بعالم السياحة والسفر بالطريقة نفسها التي يفعلها وكلاء السفر أو حتى أي إنسان، فحجز الفنادق والتعرف على بعض الأمور والمعلومات الخاصة المتعلقة بكل بلد، يحتاج إلى تدخل بشري، يكفل الحصول على معلومات دقيقة من أرض الواقع وغير موجودة على شبكة الإنترنت.

ويشرح دبوسي أن “تشات جي بي تي” أو غيره من برامج الذكاء الاصطناعي، يلجأ إلى تحليل المعلومات والبيانات الموجودة على شبكة الإنترنت ليقوم بتقديمها للسائح. وفي حال كانت هذه المعلومات قديمة وغير محدثة، تكون النتيجة كالتي أعطاها “تشات جي بي تي” في الاختبار، أي فنادق ومطاعم تم إقفالها، ونصائح بزيارة أماكن، يمكن الحصول على معلومات بشأنها بسهولة من خلال شبكة الإنترنت، في حين استطاع وكيل السفر تقديم بعض المعلومات غير المتوفرة على الإنترنت، وبما يلبي المتطلبات والشروط التي وضعها صاحب الرحلة.

وأضاف أن وكلاء ومكاتب السفر في العالم، يملكون شبكة علاقات قوية، تعتمد على البشر في تبادل المعلومات، ما يساعد المسافر في الحصول على أي جديد في هذا العالم بسرعة قياسية، في وقت يكون فيه الحصول على هذه المعلومات من شبكة الإنترنت مستحيلاً.

هل تتحمل إدارة “تشات جي بي تي” المسؤولية؟
بحسب دبوسي، فإن التكنولوجيا بشكل عام، ساعدت بشكل كبير مكاتب السياحة والسفر، على تسريع أعمالهم وتسهيل طرق التواصل مع العملاء قبل وخلال السفر، فلولا التكنولوجيا لما كان التواصل السريع قائم بين مكاتب السفر في العالم، كما أن أنظمة حجز الرحلات وأماكن الاقامة جميعها، أمور ترتبط بالتكنولوجيا، ولكن الأمر يقف عند هذا الحد؟

وأشار إلى أنه في حال وقوع خطأ كبير، يجب أن يكون هناك جهة تتحمل مسؤولية ما حصل، فمثلاً إذا قصد أحد السياح بناءً على نصيحة برامج مثل “تشات جي بي تي” منطقة بعيدة، من أجل الإقامة أو حتى لزيارة مطعم، ووجد أن المكان المقصود مقفل، فمن سيتحمل المسؤولية هل هي إدارة “تشات جي بي تي”؟

ويرى دبوسي أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومن خلال برامجه وتقنياته، يمكن أن يكون مساعداً لمكاتب السياحة والسفر ولكنه لن يكون بديلاً عنها.

من السهل خداعه
من جهته يقول محمد الرشيدي، رئيس لجنة الأمن السيبراني في اتحاد الإعلام الإلكتروني الكويتي، في حديث لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الذكاء الاصطناعي، لا يزال حالياً في مراحله الأولى، ومن السهل جداً خداعه عبر إدخال بعض البيانات المغلوطة، وتكرارها عليه وإقناعه أنها صحيحة، مشيراً إلى أن خداع الذكاء الاصطناعي مستمر من قبل الهاكرز، الذين يستغلون نقاط الضعف في برامج مثل “تشات جي بي تي” بهدف إظهار أنه يقدم معلومات غير صحيحة، وهو الأمر الذي من الممكن أن يكون قد حصل في النتائج غير الدقيقة التي قدمها عن السفر إلى ملبورن.

وأوضح الرشيدي أن تجربة الذكاء الاصطناعي التوليدي لم تكتمل بعد، فالعالم حالياً في المرحلة الأولى، وبعد نحو 4 أو 5 سنوات سنصبح في المرحلة الثانية، وهي أكثر تطوراً من الوضع الراهن، أما المرحلة الثالثة وهي المرحلة التي سيصبح فيها فائق الذكاء، فمتوقع أن تكون بعد نحو 10 سنوات، مشدداً على أن الاعتماد الكلي على نتائج الذكاء الاصطناعي التوليدي حالياً، هو أمر مستحيل وخطأ كبير وأمر لا يُنصح به.

وبحسب الرشيدي فإن أي شخص يلجأ حالياً لبرامج مثل “تشات جي بي تي” عليه التدقيق في النتائج التي يقدمها له، إذ يمكن لهذه البرامج أن تكون بمثابة عامل مساعد، ولكن الأساس في الوقت الراهن هو للعنصر البشري، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيبهر البشر في مراحله المتقدمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى