دوليعربي ودولي

هآرتس: رغم تآكل المقاومة.. من يخبر الجيش الإسرائيلي أنه تسلق شجرة عالية؟

الجيش الإسرائيلي ينشر الآن يومياً صور استسلام لفلسطينيين في شمال قطاع غزة. ليس كل من يتم تصويره ويرفع يديه أو معتقل هو بالضرورة أحد رجال حماس. يبدو أن معظمهم مدنيون وجدوا أنفسهم عالقين في هذا الوضع. إن الصور التي لم يشاهد مثلها في الشهر والنصف من القتال على الأرض تعكس بداية التغيير. في مخيم جباليا تم تحقيق تقدم أكبر، وفي الشجاعية ما زالت المعارك قوية. ولكن بالتدريج هجمات إسرائيل الكثيفة تنهك كتائب حماس المحلية. جزء من رجالها يحاربون حتى الموت، وآخرون يستسلمون إذا لم ينجحوا في الهرب من المنطقة بواسطة الأنفاق.

ضابط رفيع في قيادة الأركان قال أمس إنهم يلاحظون “علامات على تآكل حماس”. حجم الأضرار والدمار يخلق مشكلات في القيادة والسيطرة. هناك مناطق في القطاع لم تعد حماس مسيطرة فيها عسكرياً. تعريف أكثر حذراً ومنطقية سيظهر كما يبدو علامات تآكل وليس انهياراً. ومثل الجيش الإسرائيلي، حماس تحارب منذ شهرين في ظروف قاسية، وخلافاً للجيش الإسرائيلي، فقد سجلت حماس لصالحها إنجازات عسكرية كبيرة في بداية الحرب، في المذبحة الفظيعة في 7 تشرين الأول.

لكن صورة الوضع تغيرت منذ ذلك الحين. في شمال القطاع، تم تسجيل دمار هائل؛ آلاف من أعضاء حماس ومعظم القادة الكبار للألوية والكتائب القطرية في الشمال قتلوا. من يواصلون القتال يعملون ضمن أطر صغيرة نسبياً، ويتبين من التحقيق مع المخربين الذين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي أن القوات تعمل بالحد الأدنى من الاتصال فيما بينها. ليس لهم مثلما للقيادة العليا في حماس صورة كاملة عما يحدث فوق الأرض. على هذه الخلفية، يأمل الجيش الإسرائيلي تحقيق السيطرة على جباليا خلال أسبوع، وفي سيناريو متفائل التغلب على معظم المقاومة في الشجاعية حتى نهاية هذا الأسبوع.

ربما يسمح هذا فيما بعد بإعادة نشر القوات في شمال القطاع، رغم أنه يتوقع أن تكون هناك محاولات لقضم ذيل القوات أيضاً في مناطق أخرى التي انتهى فيها القتال كما يبدو. وسيكون بالإمكان تركيز الجهود على قلب الهجوم الحالي، خانيونس، حيث تقدم القوات أقل بقليل مما تم التقدير مسبقاً. وستكون حاجة إلى اتخاذ قرار حول توسيع العملية نحو الجنوب، إلى المناطق التي لم يعمل فيها الجيش الإسرائيلي بعد – رفح ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع. الجيش يقدر بأنه يمكنه إنهاء هذه العملية المعقدة في شهر ونصف تقريباً؛ فيما تأمل الإدارة الأمريكية أن تستكمل خلال ثلاثة أسابيع.

ستأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة للعملية استمراراً للهجمات الجوية في بداية الحرب والعملية البرية التي أعقبتها: تقليص عدد القوات، وتسريح جزئي للاحتياط، وإقامة منطقة فاصلة قرب الجدار داخل أراضي القطاع، وسلسلة اقتحامات مكثفة وطويلة هدفها حرمان حماس من ممتلكاتها العسكرية المتبقية. هذه خطة معقدة ستمتد خلال السنة القادمة. في هذه المرحلة، ستكون أمام الجيش مشكلتان: الأولى، كيف سيتم تسويق ما تم تحقيقه كأنه انتصار للجمهور، مع الأخذ في الحسبان تغيير مضمون القتال؟ إذا لم تتبلور في هذه الفترة صفقة لإعادة المزيد من المخطوفين من بين الـ 137 لدى حماس، وإذا لم يكن هناك أي استسلام جماعي للمخربين، وإذا لم يتم قتل كبار من قادة حماس وعلى رأسهم يحيى السنوار – فهل سيوافق الرأي العام على خفض قوة القتال؟ أمام إسرائيل وقت لتحقيق جزء من هذه النتائج. إذا أسعفنا الحظ وتم قتل السنوار فربما ستفتح بذلك ثغرة لتسريع صفقة تبادل للمخطوفين.

المشكلة الثانية هي أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يواصل رفضه بشدة لأي نقاش حول المرحلة الرابعة، وهي وضع النهاية المرغوب فيها للحرب، ما يسمى أيضاً بـ “اليوم التالي”. إن تملص نتنياهو يخلق عدم وضوح استراتيجي، الأمر الذي يصعب على تحقيق أهداف الحرب، ويفاقم التوتر مع الإدارة الأمريكية التي تريد تنسيق المواقف مع إسرائيل وعلى قناعة بأن هناك حاجة لموطئ قدم للسلطة الفلسطينية في غزة لإقناع الدول العربية ببلورة وضع جديد في القطاع.

في نهاية الأسبوع الماضي، فرضت الولايات المتحدة الفيتو على مشروع قرار في مجلس الأمن طلب إعلان وقف نار فوري في القطاع. وشكر نتنياهو الرئيس الأمريكي على هذه الخطوة، لكن أداة الضغط الأكبر لدى بايدن على نتنياهو ليست الاستمرار في استخدام حق الفيتو لصالحها، بل تحكمه في إدارة مخازن التسليح. منذ بداية الحرب وإسرائيل تحصل على كميات كبيرة من السلاح والذخيرة من أمريكا. المشكلة أن القتال في المناطق المأهولة بشكل مكتظ معروف أنه يستهلك ذخيرة بشكل كبير. وعلى الجيش الإسرائيلي الحفاظ على عيون مفتوحة نحو الشمال. إذا ما جررنا إلى حرب ضد “حزب الله” فثم حاجة لكميات كبيرة من السلاح المتقدم – بايدن هو الذي يمسك بالمفتاح.

 علامات على الصحوة

إن تقدم العملية في القطاع يطرح سؤالاً: هل سيزيد حلفاء إيران وحماس، “حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن، نشاطاتهم بهدف تهديد الجيش الإسرائيلي؟ “حزب الله” يواصل بوتيرة أكثر من عشر هجمات في اليوم ضد الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان. أمس، أصيب جنديان إسرائيليان في أحداث في الشمال إصابة طفيفة. في البحر الأحمر، حسب تقرير السبت، اعترضت سفينة فرنسية مسيرات هجومية أطلقت من اليمن في الوقت الذي هدد فيه الحوثيون بضرب كل سفينة تتوجه إلى إسرائيل.

رئيس هيئة الأمن القومي، تساحي هنغبي، قال السبت في مقابلة مع حداشوت 12 إن الوضع على الحدود الشمالية سيتغير. وحسب قوله، إذا لم يوافق “حزب الله” على سحب “قوة الرضوان” إلى شمال نهر الليطاني نتيجة عملية دبلوماسية، ستضطر إسرائيل إلى اتباع وسائل أخرى لإملاء الوضع الجديد. ترسل إسرائيل هنا تهديدات صريحة لـ ”حزب الله” في محاولة لحث المجتمع الدولي على القيام بعملية تسوية سريعة. ولكن الجيش الإسرائيلي يقدر، كما قدر هنغبي، بأن احتمالية ذلك ضعيفة.

لذلك، يجب الأخذ في الحسبان احتمالية أن تقوم إسرائيل بعملية عسكرية لتغيير الوضع أو حتى أن يقوم “حزب الله” بفحص توجيه ضربة استباقية ضد إسرائيل. حتى لو تحقق تقدم في غزة، فهذا لا يحل التعقيد في الشمال. ربما يكون رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، متأثراً جداً من الاستعداد المفاجئ لإسرائيل لاحتلال جزء كبير من القطاع، رغم الأخطار، إلا أن هذا لا يعني بأنه سيتطوع بإبعاد رجاله عن الحدود مع لبنان في القريب.

 بخصوص اليمن، تأمل إسرائيل أن توقظ الأخطار المتزايدة على الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس المجتمع الدولي من سباته. ثمة دلائل أولية على أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تتعامل مع هذا الخطر بجدية كبيرة، إلى جانب بذل الجهود لتنسيق أكبر لخطوات دفاعية ضد استمرار هجمات الحوثيين. لا تريد إسرائيل أن تكون في واجهة هذه الجهود رغم أن سفناً تمتلكها بشكل مباشر شركات إسرائيلية هي الهدف الرئيسي لهذه الهجمات.

تصميم زائد

أكثر من شهرين والقتال يجبي ثمناً عاطفياً لا بأس به حتى من الجنود وعائلاتهم. أمس، خرجت من القطاع قوات احتياط تم تجنيدها في بداية الحرب في الطريق للتسريح، وتم استبدالهم على الفور بوحدات أخرى من الاحتياط. في الأسابيع الأخيرة، بدأ الجيش الإسرائيلي في محاولة لإخراج رجال احتياط إلى إجازة انتعاش قصيرة في البيت.

لا يتصرف الجيش بهذا النحو مع الوحدات النظامية. جزء من الجنود في الخدمة النظامية والخدمة الإلزامية لم يصلوا إلى بيوتهم منذ بداية الحرب. في بعض الوحدات تم إخراج القوات للتنفس، لكن في أراضي إسرائيل القريبة من حدود القطاع. في بعضها لم يسمح للوالدين بالمجيء والالتقاء مع أبنائهم حتى عندما خرجت الوحدات من القطاع. كانت هناك وحدات اتبع قادتها خطاً ليبرالياً أكثر بقليل وسمحوا بلقاءات قصيرة.

لواء المظليين فعل أكثر من ذلك؛ إذ سمح لهم بصعوبة بالاتصال مع عائلاتهم منذ بداية العملية البرية في نهاية تشرين الأول، بل ولم تصلهم أي رسائل أو رزم من العائلات خلافاً لما حدث في معظم الألوية النظامية الأخرى. كل مراسل عسكري عرف عن هذه المشكلة من خلال شكاوى يقدمها الآباء. وتعرف هيئة الأركان ذلك، وقد وعدوا بحل المشكلة. ولكن لا يوجد أي تغيير حتى الآن. الحرب الحالية هي استثنائية بكل المقاييس، وبالتأكيد من حجم التجربة القاسية التي مرت على جنود شباب. هناك شك إذا كانت هناك حاجة إلى الإثقال عليهم أيضاً بفصلهم عن بيوتهم بدون إمكانية للاتصال وحتى بدون إبلاغ عائلاتهم بشكل يومي عن القتال كما حدث مع وحدات كثيرة في القطاع.

لواء المظليين يحارب بشجاعة ومهنية في القطاع، وفقد الكثير من الجنود في المعارك. لدى المظليين ميل بين حين وآخر في محاولة الإثبات بأنهم أكثر صلابة من الجنود الآخرين. وحتى الآن، يبدو أن الوقت قد حان ليقوم شخص بالغ ومسؤول، ربما ضابط رفيع يرتدي القبعة الحمراء، ويأخذ قادة اللواء جانباً ويقول لهم بأنهم تسلقوا شجرة عالية جداً. إن التصميم على أمر تافه لشهرين لا يجعله أمراً حكيماً. القتال صعب جدا بحد ذاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى