اراء

هل المطلوب أن تخسر البنوك؟

كلّما تشتد التحديات الاقتصادية وتزداد تعقيدات الأمن المعيشي بأشكالها المختلفة على المواطنين تخرج أصوات كثيرة وعلى مستويات عدة تطالب بفرض مزيد من الضرائب على البنوك، باعتباره قطاعاً يملك ربحية عالية.

هذه المطالبات التي خرج بعضها خلال مناقشات مجلس النواب لمشروع قانون الموازنة العامّة غالبيتها لا يخرج عن إطار الشعوبيات التي لا تستند إلى مبرّرات علميّة ومهنيّة، وإنما تساهم بترويج إشاعات لا تخدم سوى أطر ضيقة من المصالح، وبعيدة كل البعد عن المصلحة العامّة للاقتصاد الوطني.

طبعاً هذا الكلام لن يعجب الكثير باعتباره تقرّباً من البنوك- كما يعتقد البعض- وبعيداً عن مطالبات الكثير الذي يعتقدون أو يروجون بأن البنوك “أكلت الأخضر واليابس”.

حقائق مهمّة يجب أن يعلمها الجميع عن القطاع المصرفيّ وأهمّيّته الإستراتيجية في الاقتصاد الوطني واستقراره بشكل أساسي، فلا اقتصاد ولا تنمية ولا نمو دون وجود قطاع مصرفي قوي ويحقق أرباحاً أيضاً.

فالحديث بأن البنوك تحقق أعلى نسبة أرباح ما بين القطاعات الاقتصاديّة هو أمر غير صحيح على الإطلاق، فجميع البنوك العاملة في المملكة وعددها 15 (بما فيها البنك العربي الإسلامي وهو جزء من مجموعة البنك العربي) بنكا محليا حققوا أرباحاً صافية العام الماضي بمقدار 839 مليون دينار وبزيادة نسبتها 38 % عن عام 2021، في حين أن صافي أرباح شركتي الفوسفات والبوتاس لوحدهما بلغ العام الماضي ما مجموعه 1.433 مليار دينار تقريباً، أي ضعف ما حقّقه كلّ الجهاز المصرفي.

والحديث بأن البنوك تحقق أعلى عائد فهو أمر غير صحيح أيضاً، فالعائد على الموجودات البالغة 76 مليار دينار لا يتجاوز الـ1 %، في حين أنّ العائد على حقوق المساهمين البالغ قيمتها 9.25 مليار دينار يبلغ 9.1 %، علماً أنّ هناك قطاعات تتجاوز هذه النسب أضعافاً مضاعفة.

دائماً ما يتحدث البعض عن أنّ البنوك تمتلك 42 مليار دينار ودائع، ويجب عليها ضخها في الاقتصاد الوطني بدلاً من إيداعها في خزائنهم، وهذه خرجت على لسان العديد ممن يفترض أنهم مسؤولون على درجة عالية من الوعي، بأن هذا الكلام عار عن الصحّة تماماً، فودائع الجهاز المصرفيّ البالغة 42 مليار دينار، تم تقديم تسهيلات مصرفية منها لمختلف القطاعات الاقتصاديّة بقيمة تناهز الـ32 مليار دينار، وهناك أكثر من 10 مليارات دينار تمّ إقراضها للحكومة بواسطة السندات، بمعنى آخر، فإن جميع موجودات البنوك مستغلّة في التسهيلات وليست مودعة في خزائنهم كما كان يروج البعض.

وغني عن القول إن هذه الأموال تعود ملكيّتها للمودعين، وتقتضي المهنيّة والمسؤولية على البنوك استثمارها وفق أسس تأخذ بعين الاعتبار معدل العائد والمخاطر وتكلفة الفرصة البديلة.

ومن ينادي برفع الضريبة على البنوك، فهو لا يعلم أنّ الضريبة المفروضة على الجهاز المصرفي في الأردن هي من أعلى النسب الضريبيّة في العالم (38 %)، وهي الأولى عربيا، وقد دفعت البنوك العام الماضي ضريبة دخل تناهز الـ345 مليون دينار، وهي تشكل لوحدها ما يقارب 20 % من تحصيلات الدخل.

الأرباح مهمة في الجهاز المصرفي حتى تبقى جاذبية إقبال المستثمرين الأجانب عليه، فلا ننسى أن أكثر من 55 % من ملكيّة الجهاز المصرفي تعود لغير أردنيّين، وهؤلاء أهمّيّتهم ليس فقط في الاستثمار، وإنما بمساهماتهم في تعزيز العملات الصعبة بواسطة ودائعهم التي تبلغ نسبتها 10 % من إجمالي الودائع.

ربحية البنوك تعني ثقة المودعين بالجهاز المصرفي وقدرته على تعزيز ملاءته المالية وتمكينه من نمو قدرته في منح التسهيلات لمختلف القطاعات بما فيهم الحكومة، فزيادة الودائع مؤشر مهم على ثقة المشتركين بالجهاز المصرفي، فهذه الثقة كانت عاملاً رئيساً في زيادة حجم الودائع خاصة بعد الأحداث الاقتصادية التي حدثت في لبنان ومصر وتركيا.

بصراحة، إذاً البنوك خسرت أو تراجعت أرباحها لمستويات معينة، فإن ذلك سيكون له انعكاسات سلبيّة على باقي الاقتصاد الوطني بكل ما في الكلمة من معنى، حينها لن تستطيع القطاعات أن تقترض بالشكل المطلوب، والأفراد كذلك، حتى الحكومة لن تتمكن من تلبية كامل احتجاجاتها التمويلية دون إقراض، وأيضاً الشركات العاملة، وتحديداً الرابحة لن تتمكن هي الأخرى من مواصلة أرباحها أو زيادة استثمارها نظراً لمحدوديّة السيولة التي ستكون بين يديها، فالبنوك هي عصب وشريان الحياة للاقتصاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى