هل نحظى بمجلس نيابي سياسي ام تستمر سطوة رجال الاعمال وممثليهم

يبدو ان بعض المتداخلين في العملية السياسية في الاردن لم تصلهم الرسالة الملكية ولا الشعبية حول هوة الثقة التي تتدحرج ككرة ثلج واصابت مؤسسة البرلمان في مقتل طوال الدورات الماضية.

وبالرغم من اقرار رؤية التحديث السياسي التي تعد خارطة طريق نحو تحول سياسي جذري في التعاطي مع الملفات السياسية عبر البوابة الحزبية على امل مشاركة شعبية واسعة للمساهمة في بناء مستقبل افضل للاردن ، الا اننا لا زلنا نشهد قوى شد عكسي تحارب هذا التوجه الذي ينادي به الجميع.

والغريب ان عدد ممن سارعوا الى الانخراط في العمل الحزبي هم ذاتهم اصحاب المصالح ورجال الاعمال وتقمصوا دور السياسي في مسعى لمواصلة حماية مصالحهم بعيدا عن جوهر رؤية التحديث السياسي المأمول.

وتربع على العديد من سدة الاحزاب رجال اعمال او ممثلين عنهم ، بشكل واضح وعلني ولبسوا العباءة الحزبية والتي كما يبدو لم تكن على قياسهم.

وان من النتائج لاستمرار هؤلاء في صم اذانهم عن سماع صوت الشارع ، التأثير السلبي على تفاعل المواطنين مع الانتخابات النيابية القادمة وعدم تشجيع طيف واسع منهم على الانخراط في العملية السياسية والعمل الحزبي ، بالنظر لما يعكسه وجود طبقة رجال الاعمال او من يمثلهم في واجهة المشهد السياسي ، فمصالح الطرفين متضاربة ولا تلتقي فالمواطن يريد من يمثله ويكون صوته وعينه تحت قبة البرلمان لمراقبة الاداء وتصويب الخلل ، لا ان يكون هناك من بعض رجال الاعمال النواب من يقايض موقفه بمصالحه الضيقة.

وكان الجميع قد لاحظ التعديل المتكرر للقوانين خاصة الاقتصادية في فترات زمنية قصيرة نسبيا، والتي تخالف ما هو مطلوب من استقرار تشريعي يعتبر المطلب الرئيسي لاي مستثمر يتطلع للاستثمار في بلد ما ، فينظر الى البيئة التشريعية واستقرار التشريعات المرتبطة بالاقتصاد ، وهي مؤشر اساسي في اقناع المستمرين العرب والاجانب ومن الاسباب التي تشجعهم على القدوم للاردن وضخ اموال في اقتصاده ، لكون الاستقرار التشريعي للقوانين الناظمة للقطاعات الاقتصادية امر مهم في وضع خطط الاستثمار ودراسات الجدوى الاقتصادية التي على اساسها يتم اتخاذ القرار الاستثماري وجدواه من عدمه.

ولا يمكن ان نغفل وجود رجال اعمال في المجالس السابقة وجماعات ضغط خارجه، كان لهم تأثير في توجيه الحكومة لتعديل بعض التشريعات التي ربما تصب في تعزيز مصالحهم التجارية ، وتعظيم مكتسباتهم.

نتفهم حرصهم على مصالحهم القائمة ولكن لا يجب ان يدخل العمل السياسي في صلب المصالح التجارية الضيقة لان ذلك يفسد الحياة السياسية ، وعلينا الاعتراف ان تزاوج السلطة والمال لم يحقق اي مصلحة لاي بلد سار في هذا الطريق.

لا بد ان يفهم هؤلاء ان مجلس النواب هو المكان الذي يراعي مصلحة الجميع ويحقق تطلعات الشعب بكل اطيافه ، ولا يمكن ان ننجح في تطوير الحياة السياسية طالما ان البعض يجد في مجلس النواب مجلسا للاعمال.

على الجميع ان يتحمل مسؤولياته في توفير بيئة عمل سياسي ممثل من وجوه سياسية مخلصة في عملها لخدمة الوطن والمواطن وترجمة رؤية التحديث السياسي.

وعلى رجال الاعمال ان يتفرغوا لاعمالهم ويحيدون مجلس النواب من جدول اعمالهم ، وان حصول ذلك سيضمن للجميع فرص متساوية في تحقيق اهدافهم عبر طبقة سياسية حزبية من اصحاب الخبرة السياسية والاقتصادية والقانونية ، ليقوموا بما عليهم من واجبات دستورية في التشريع والرقابة على الاداء الحكومي.

ويجب ان يقتنع رجال الاعمال الطامحين في الكرسي النيابي ان خير من يمثلهم من يستطيع ان يكون على مسافة واحدة عند مناقشة كل القضايا المتعلقة بالاقتصاد من منظور مصلحة الوطن العليا وان تكون اولوياته تعزيز الاستثمار وفتح افاق جديدة من العمل وتحقيق المزيد من المزايا الاستثمارية.

وبخلاف ذلك سوف تتعمق الفجوة والثقة في مؤسسة البرلمان وتبعد الناس عن صناديق الاقتراع وتكون النتيجة تراجعنا في مؤشرات الحريات والشفافية والحوكمة الرشيدة في العمل البرلماني المنشود.

دعونا لا نضيع الفرصة المتاحة لتطوير الحياة السياسية وجعل الناس يصدقون انهم جزء من منطومة العمل السياسي وان صوتهم سيكون هو المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار في هذا الوطن ، الذي نحرص ان يكون في موقع متقدم بين دول العالم ويشعرون فعلا بأهمية خروجهم من منازلهم للادلاء باصواتهم لمن يستحق ان يمثلهم ويعطيهم املا بأن مجلس النواب القادم هو ممثل الشعب وليس ممثلا عليه.