منوعات

وفاة طفل تونسي بـ”العلاج الروحي” تعيد فتح الملف وضحاياه

فتح القضاء التونسي تحقيقاً في وفاة طفل يبلغ من العمر تسع سنوات في محافظة مدنين جنوب تونس، بسبب خضوعه لعلاج روحاني عبارة عن استنشاق تراب جلب من “إحدى زوايا الأولياء الصالحين”.

وقال المتحدث باسم المحكمة الإبتدائية في مدنين، فتحي البكوش، إن “القضاء فتح بحثاً تحقيقياً في وفاة الطفل وأحيل الوالدان أمام القاضي”. وأضاف في تصريح خاص أن “النيابة العمومية تلقّت إشعاراً من المستشفى الجهوي بجزيرة جربة لحالة الطفل المتوفى الذي وصل إلى المركز الصحي في حالة متدهورة نتيجة إسهال شديد نتج منه الموت”.

وأضاف أن “التحقيق مع الوالدين أثبت محاولاتهما علاج ابنهما بوصفة روحانية تتمثل بتناول واستنشاق تراب من زاوية ولي صالح، يعتقد أنها تساعد على العلاج، ما أدى إلى تدهور سريع في وضعه الصحي ووفاته. وجرى نقله إلى المستشفى في وقت متأخر”.

ما لا يقدر عليه الطبيب

وأشار المصدر القضائي إلى أن “الأبوين يواجهان تهمة التقصير التي ينجم عنها الموت عن غير قصد وتصل عقوبتها إلى عامين سجناً وفقاً للفصل 217 من المجلة الجزائية”. واعتبر أن “مجلة حقوق الطفل تجبر الأبوين أو الحاضن للطفل على توفير العلاج في حالة المرض، باعتباره حقاً أساسياً من حقوق الطفل ومصدراً للحماية الصحية”.

وعادة ما تنتشر محال المعالجين الروحانيين بكثرة بين الأوساط الاجتماعية، لا سيما في المناطق الريفية، وقد شهدت هذه الممارسات رواجاً حتى في “الأحياء الراقية وفي الأوساط المرموقة”، بحسب ناشطين حقوقيين. كما غصت مواقع التواصل الاجتماعي بصفحات تروج لمعالجين روحانيين، من بينها صفحة كتب عليها “… لمداواة كل أنواع العقم للنساء والرجال، يجلب الحبيب، ويعالج السحر، يسهل الارتباط والزواج، ويعالج الصرع والشقيقة والبهاق”. ولدى اتصالنا قال صاحب الصفحة ويقطن في أحد الأحياء الشعبية في العاصمة: “أنا لا أنصح الناس بأن يتخلوا عن الطب التقليدي، لكن أقوم بما أستطيع حين يعجز الأطباء”، مضيفاً أن زبائنه ينحدرون من فئات اجتماعية مختلفة وأنه يعمل “بطريقة قانونية”.

وتختلف طرق العلاج الروحاني في تونس بين ما يسمى “الرقية الشرعية” أو العلاج بالقرآن، إلى زيارة الأولياء الصالحين والقيام بممارسات مختلفة، وأيضاً تناول الأعشاب وغيرها من التركيبات التي أدت في بعض الأحيان إلى موت من تناولها، أيضاً ينتشر العلاج عن طريق الكي في بعض الأوساط الريفية في تونس، وهو مخصص لمعالجة الأطفال من عدة أمراض.

 

في هذا الصدد، تقول مفيدة “بقع الكي على بطن ابني دليل على ما فعلته به”، موضحة “كان ابني منذ ولادته يعاني نوعاً من الصرع، لجأت إلى أطباء عدة إلا أن الكي كان آخر حل للخلاص من هذا المرض، وذلك اقتداء بتجربة أحد الأقارب”. وتقول مفيدة “عندما كان ابني طفلاً في عامه الثاني، كدت أفقده من كثرة ألمه، حينها وافقت على أن تقوم الشيخة ربح بكيه بعود حديدي وضعته في الجمر ثم كوت به بطنه قرب صرته”. وتكمل “لقد أنقذته في اللحظة الأخيرة حين توجهت به مسرعة إلى المستشفى البعيد من قريتنا”.

أما فاطمة سيدة خمسينية تنحدر من حي شعبي بالعاصمة، تروي تجربتها مع العلاج الروحاني قائلة “دائماً ما أذهب إلى الخالة صالحة عندما أشعر بتعب مفاجئ”، مضيفة “هي عجوز في الثمانين تقوم بالكركبة، نوع من المساج بعصاء من الخشب مع صرة الملح وتمتمة بعض الكلمات”. وأكملت “عندما نبدأ بالتثاؤب المتواصل أنا والخالة صالحة أعرف وقتها أن عيناً خبيثة أصابتني”.

ولتفسير الظاهرة من زاوية اجتماعية، تفيد الباحثة في علم الاجتماع، صابرين الجلاصي، بأن “تزايد الإقبال على الروحانيين يعتبر ظاهرة قديمة توارثت عبر الأجيال، وذلك اعتقاداً من هؤلاء أن كل ما يفعله الأجداد صحيح ومقدس ولا يجب تركه مهما كانت الأسباب”. وتقول الجلاصي في تصريح خاص إن “من أهم أسباب انتشار هذه الظاهرة الحالة النفسية للشخص والبحث عن ملاذ للشفاء أو الخروج من مأزق ما، مما يدفع البعض إلى اللجوء للروحانيين أو المشعوذين”.

وتعتقد الجلاصي أن صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية العمومية في بعض المناطق الداخلية، جعلت البعض يلجأ إلى طرق أخرى يعتقدون أنها أسهل وتكاليفها أقل وربما أنجع”.

“إطلاق الجن”

وتقول الطبيبة صابرين الجلاصي “الغريب في الأمر أن هذه الظاهرة متفشية في أوساط بعض المثقفين”، موضحة “أن البيئة التي يترعرع فيها الإنسان غالباً ما ترافقه طوال حياته، حتى لو ابتعد عن محيطه القديم”.

إلا أن الجلاصي استدركت أن “أغلب ضحايا الروحانيين والمشعوذين عادة ما ينحدرون من أوساط اجتماعية دنيا أو من مستويات علمية محدودة، تعتقد في قدرة المعالجين الروحانيين على تخليصهم من أمراضهم و مشكلاتهم”.

وعرفت تونس حوادث كثيرة مرتبطة بهذا النوع من العلاج الذي ذهب ضحيته أطفال ونساء وغيرهم، أشهرها ذلك الروحاني الذي اغتصب عشرات النساء.

وتقول الجلاصي إن “الخطير في الأمر أن المتضررين من هذا النوع من العلاج لا يلجأون إلى العدالة لأسباب كثيرة، منها الخوف من هؤلاء الروحانيين ظناً منهم أنهم قد يطلقون عليهم الجن لتعذيبهم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى