اخبار الاردن

توسيع التقاضي الإلكتروني في “المحاكمات الشرعية”.. الحاجة إلى ضوابط

شكلت التعديلات على قانون أصول المحاكمات الشرعية لسنة 2023، والتي نشرت في الجريدة الرسمية مؤخرا، تطورا على منظومة العمل في دوائر المحاكم الشرعية، فيما يتعلق بـ”جواز أتمتة” سلسلة من الإجراءات لدى محاكم التنفيذ والنيابة الشرعيين، وكذلك المعاملات لدى مكاتب التوفيق والإصلاح الأسري، بينما اعتبر قانونيون أن هذه التعديلات، تتطلب في المقابل تحديث البنية التحتية الإلكترونية في دوائر المحاكم الشرعية، ورفع منسوب الوعي لدى أطراف الدعوى بأهميتها.

وأجريت تعديلات على 7 من مواد قانون أصول المحاكمات الشرعية الأصلي رقم (31) لسنة 1959، ونُشر القانون المعدّل رقم (15) لسنة 2023 في 17 الشهر الحالي، ليعمل به منذ تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

وتعتبر التعديلات التي أدخلت على المادة (11) “مكرر” من القانون الأصلي عبر المادة (2) من القانون المعدّل الأبرز، والتي أجازت في الفقرة (أ) من المادة المعدلّة الجديدة، تقديم الدعاوى والطلبات والطعون وتسجيلها وقيدها ودفع الرسوم وتقديم اللوائح وتقارير الخبرة والتحكيم والبينات الخطية، والمخاطبات والإنابات والمحاكمات، بما في ذلك تحليف الأيمان وسماع الشهود والخبراء، دون المساس بحق المناقشة بالوسائل الإلكترونية والتقنيات الحديثة.

كما أجازت الفقرة (ب) من المادة المعدلة، استخدام المحكمة الشرعية للوسائل الإلكترونية والتقنيات الحديثة، بسماع الإقرارات وأقوال ذوي العلاقة، وإجراء وتوثيق العقود والاتفاقيات والتصرفات.

أما على مستوى النيابة العامة الشرعية، فأجازت الفقرة (ج) في التعديل، استخدامها  للوسائل الإلكترونية والتقنيات الحديثة في جميع أعمالها، بما في ذلك تلقي الطلبات والبلاغات وإجراء التحقيقات.

كما انسحبت التعديلات بجواز استخدام الوسائل الإلكترونية والتقنيات الحديثة في “جميع” أعمال مكاتب التوفيق الأسري بحسب الفقرة (د)، من تبليغات وعقد اتفاقيات وجلسات الإصلاح والإرشاد.

ويكون للنُسخ المستخرَجة من البيانات والمعلومات والوثائق مما يحفظ إلكترونيا لدى دائرة قاضي القضاة أو المحاكم بعد ختمها بالخاتم الرسمي، وتوقيعها من الجهة المختصة، حجية السند الأصلي، بحسب التعديل الجديد.

وأورد القانون الجديد بندا، أوجب فيه تحديد أحكام وشروط وإجراءات استعمال الوسائل الإلكترونية، والتقنيات الحديثة، وتخزين البيانات والمعلومات والوثائق بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية.

وفي هذا الإطار، قالت المحامية الشرعية ربا الطيبة، إن إدخال الوسائل الإلكترونية الحديثة في إجراءات التقاضي، خطوة إيجابية جدا على منظومة عمل المحاكم الشرعية ككل، تتطلب بالمقابل تطبيق ضمانات لحماية الوثائق وأوراق الدعاوى والبينات والإخطارات، وإن كان التعديل، يشترط صدور نظام يحدد أحكام وشروط استعمال هذه الإجراءات.

وقالت الطيبة إن تفعيل هذه النصوص الجوازية، يعتمد على ما سيتضمنه النظام الذي سيحدد بكل تأكيد “الضمانات لهذه المعاملات”.

وأضافت إن “النظام من شأنه أن يحدد الضمانات، لأن الخصومة عندما تنعقد إلكترونيا تحتاج إلى إيداع الأوراق والبيّنات والتبليغات، ولا بد من حماية الملفات من أي اختراقات محتملة، ووضع ضوابط لكيفية التحقق من أطراف الخصومة على سبيل المثال ووسائل الإثبات. فمثلا خصمي إذا أردت الاطلاع على بيّناته الشخصية كيف سيتاح لي كخصم الاطلاع عليها.. هل سيكون هناك حافظة إلكترونية مثلا؟”.

وشددت الطيبة على أن المرونة التي وردت في التعديلات، ارتبطت بمبدأ “جواز” اللجوء للوسائل الإلكترونية دون إلزام، ما يعني بحسبها، أن هذا قد يكون من باب التدرّج في أتمتة هذه المعاملات على المدى الأطول إلزاميا.

وأشارت الطيبة إلى أن تفعيل الأتمتة في المرحلة الأولى، يتطلب حتما تحديث البنية التحتية الإلكترونية لدى دائرة قاضي القضاة والمحاكم الشرعية، برغم جهود التدريب ورفع قدرات العاملين.

ونوهت الطيبة، إلى أن قضايا الأحوال الشخصية، يمكن لأي فرد الترافع بها دون توكيل محام، باستثناء مرحلة الاستئناف، مضيفة “هذه قضايا اجتماعية يترافع فيها الأفراد عن أنفسهم، ما يعني ضرورة المعرفة بالإجراءات الإلكترونية، وكيفية استخدام الوسائل الحديثة التقنية في حالة الرغبة باللجوء إلى هذه الوسائل من أي فرد، حتى يكون النص قابلا للتطبيق”.

وتساءلت المحامية الطيبة عن مرجعية إدارة عملية الأتمتة فنيّا، كما رأت بأن جواز اللجوء لـ”سماع الشهادات وحلف الأيمان وأقوال ذوي العلاقة” أمام المحكمة الشرعية إلكترونيا، تعتبر “قفزة” في منظومة العمل، تحتاج للضوابط في التطبيق ننتظرها في النظام التنفيذي.

وبشأن الأتمتة في عمل مكاتب الإصلاح الأسري، قالت إن هذه المكاتب تجري مفاوضات واتفاقيات، وهي تتضمن قضايا تحتاج لتفصيل في النظام، ليكون قابلا للتطبيق لكل فئات المجتمع، باعتبار أن النص أصبح “اختياريا” ومتاحا للجميع.

ومن جهته، يرى عضو مجلس إدارة جمعية المحامين الشرعيين رامي بني سلامة، أن أحكام المادة (2) المعدلة، أجازت استخدام الوسائل الإلكترونية في قسم كبير من إجراءات التقاضي، سواء أمام قضاة التوثيقات أو قضاة الموضوع، أو دوائر النيابة العامة الشرعية، أو محاكم التنفيذ الشرعية، أو لدى مكاتب الإصلاح الأٍسرية.

وقال بني سلامة إن هذه التعديلات تندرج في إطار تطوير عمل الحكومة الإلكترونية، وما رافقها من تطوير منذ زمن على عمل المحاكم النظامية إلكترونيا، من إجراءات تسجيل الدعاوى وتقديم خدمات الدفع الإلكتروني والطعون وغيرها من الإجراءات.

كما اعتبر أن شمول المحاكم الشرعية بدوائرها وهيئاتها اليوم، في هذه التعديلات هو مبادرة واضحة وحقيقية، واستكمال لأتمتة عمل المحاكم الشرعية، بخاصة المنتشرة في عمّان، والتي بدأت منذ سنوات بتأسيس نظام إلكتروني خاص بأعمالها في إطار أعمال تجريبية، وقد قطعت شوطا كبيرا في ذلك، وفقا له.

ويعتبر تسهيل إجراءات التقاضي والعودة للوثائق في الدعاوى واستخراجها والحفاظ عليها من التلف، من أهم فوائد التعديلات، بحسب بني سلامة، بحيث تتلف المحاكم عموما كل عدة سنوات ملفات دعاوى، ويعلن عن ذلك لمن يرغب باسترداد بعض المبرزات، لكن الأرشفة هنا، تضمن الحفاظ على الملفات بشكل مستدام، بحسبه.

وفي ظل جواز اللجوء للإجراءات المحددة في النصوص، يرى بني سلامة أن ذلك من شأنه التسهيل على أي من أطراف الدعاوى، ممن قد يوجدون خارج البلاد، أكان لأداء الشهادة أم لأداء اليمين، ما يسرّع بإجراءات التقاضي، والفصل في القضايا.

ونوه لأهمية كبرى تتعلق أيضا بالإنابات القضائية، بين المحاكم في المحافظات، مشيرا إلى أن اعتماد الوسائل الإلكترونية في اعتماد الإنابات واستقبالها وإرسالها، سيكون في اللحظة نفسها، أكانت الكشف على مسكن أو لغاية الاستماع لبعض الشهود، وكذلك توثيق العقود كما هو الحال في عمل محاكم التوثيقات، التي تتطلب مثلا في عقود التخارج، حضور كل المتخارجين الذي قد يتعذر على أحدهم الحضور لإقامته خارج البلاد أو في مكان بعيد.

وأكد بني سلامة، أن استخدام الوسائل الإلكترونية هنا تركت كسلطة تقديرية للقاضي لمراعاة أحوال الناس، مع اعتماد نص الجواز لا الإلزام، وقال “حسنا فعل المشرّع بالسماح بهذه الإجراءات، وهي من باب التدرّج لتفادي أي عيوب في التطبيق إن حصلت قبل تعميمها مستقبلا”.

وطبّقت دائرة قاضي القضاة، تسهيلات لأصحاب العلاقة في التقاضي قبل إقرار هذه التعديلات، أهمها إصدار بطاقات الأسرة (مخصصة للمحكوم لهم في قضايا التنفيذ)، كما اعتمدت محاكم التنفيذ الشرعية آلية الرسائل النصية لكل طرف تنفيذي محكوم له بإيداع المبالغ المحكوم بها، ما قلل عدد مراجعي دوائر التنفيذ.

وفي هذا السياق، يقول بني سلامة، إن التعديلات الجديدة تعزز تلك الإجراءات وستعفي طالب التنفيذ من الذهاب للمحكمة، بتقديم الطلب وهو في منزله، أو بدفع الرسوم أو طلب صرف بطاقة أسرية، وغيرها من الطلبات للمتقاضين، وقال “هذه التعديلات ستخفف الضغط على دوائر التنفيذ بشكل لافت”.

أما بشأن تيسير إجراء المصالحات لدى مكاتب الإصلاح الأسري بموجب التعديلات، فقال إن الفقرة (د) نصت على جواز استخدام الوسائل الإلكترونية في أعمالها، ما يعني أن المساهمات الأكبر قد تكون في عقد المصالحات بين الأطراف المتخاصمة، لما تتيحه من تخفيف حدة الخلاف في حال اللقاء الوجاهي، بخاصة في الحالات التي يرفض فيها الطرفان الوجود وجها لوجه، سواء بإجراء المصالحة أو بالوصول لاتفاق على “تفاصيل النزاع كالنفقة ومشاهدة الأطفال وغيرها”.

وعن التحديّات التي يمكن أن تواجه المحامين الشرعيين أو المتقاضين بموجب هذه التعديلات، قال إن أولها هو صعوبة معرفة الأفراد أو المحامين باستخدام التقنيات الحديثة، والتعامل مع الوسائل الإلكترونية، بخاصة فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية، مبينا أن ما قد يخفف من هذه الصعوبة، هو جواز الاستخدام.

لكن بني سلامة أشار أيضا لإلزام المحاكم بالإجراءات الإلكترونية كالدفع وخلافه، ليتعود المواطن على التعاملات الإلكترونية، بالإضافة إلى أن هذه التعديلات تتطلب زيادة في عدد الموظفين وتدريب الكوادر في المحاكم الشرعية على المعاملات الإلكترونية، ومن يدققون البيانات واستخراجها إلكترونيا، واعتماد شبكة إنترنت فائقة السرعة، ليصار لتعميم التجربة لاحقا.

وكانت الحكومة اعتبرت عند تقديم الأسباب الموجبة لتعديل القانون، بأنه جاء لتسهيل إجراءات التقاضي وإنجاز المعاملات، دون حضور أطراف الدعوى للمحاكم الشرعية، حفاظا على الوقت، وتقصيرا لأمد التقاضي بتقنين تقديم الدعاوى والطلبات والطعون وتسجيلها وقيدها ودفع الرسوم، وإجراء التبليغات والمخاطبات والإنابات والمحاكمات، وتقديم اللوائح وتقارير الخبرة والتحكيم والبينات الخطية وسائر الأوراق القضائية، باستخدام الوسائل الإلكترونية والتقنيات الحديثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى