اراء

خيارنا الوحيد ومنظومة إجراءات فورية “4 – 6”

د. خليف الطراونة

لا ينجح أي متخذ قرار ما لم يأخذ الحاضر والمستقبل معا بعين الاعتبار ويوازن بينهما، بل قد يتطلب الأمر أن يُضحي قليلا بالحاضر لأجل المستقبل وليس العكس. لا ينجح أي متخذ قرار إذا كان تفكيره ومسعاه محكوما بالسعي لتوفير أرقام مجردة بمعزل عن السياسات. بمعنى لا تتحقق كنتيجة طبيعية لعملية تبني سياسات اقتصادية. ولا ينجح من يُغلّب المحاسبة على الاقتصاد في قراراته. التخطيط يبدأ من رسم المستقبل وتثبيت رؤيته ومن ثم العودة الى اتخاذ معالجات للحاضر ولكن ضمن إطار التوجه المستقبلي وفحواه.

أنا لا أدري كيف يتم تشجيع الاستثمار وفي ذات الوقت فرض الكثير من القيود والالتزامات عليه. كيف يتم اتخاذ إجراءات تسهيلية لجذب الاستثمار والمحافظة عليه وفي ذات الوقت يقدم مشروع قانون للإقرار يتضمن العديد من المواد التي ينبثق عنها لاحقا العديد من الأنظمة والتعليمات. وكل هذا يرتب قيودا وتعقيدات ويقلل هامش المرونة في التعامل مع مختلف الحالات والمعطيات. أنا أرى ألا يتجاوز مشروع القانون أربع صفحات. وهذه دعوة للاطلاع على تشريعات الدول المتقدمة بهذا الخصوص. الخلل في التحليل يقود إلى فهم خاطئ للواقع وعدم معرفة صحيحة للمطلوب. وهذا يقود إلى اتخاذ إجراءات تتضمن المزيد من المعيقات والتعقيدات وبالتالي الذهاب بعكس الاتجاه أو على الأقل البقاء في نفس المكان.

إطلاق العنان لقطاع الأعمال وعدم التضييق عليه أو محاولة توجيهه أو وضع قوالب جاهزة له أو التفكير أو التخطيط نيابة عنه فهو أكثر رشاقة وإبداعا وابتكارا وكفاءة وفعالية من العقلية التي يُدار بها القطاع العام.

الحكمة في خلق حالة توازن بين معطيات المالية العامة وبين الاقتصاد وعلى المديين القريب والبعيد. وعندما يستفحل الخلل في مؤشرات المالية العامة والموازنات وتغدو مزمنة، هنا لا بد من رسم، وبعناية، خطة طويلة المدى تتضمن حلولا يُلتزم بها تماما ويتم تنفيذها ضمن أطر زمنية محددة لا أن يبقى الأمر قيد الاجتهادات اللحظية التي ينقصها الكثير من العمق في التحليل. إذا لم تتغير طريقة إدارة السياسات الاقتصادية والمالية، فلن يتعدى العمل عن كونه مجرد سلسلة من المحاولات لمعالجة التشوهات التي للأسف سببتها المعالجات السابقة. بمعنى معالجات تخلق تشوهات يضيع الوقت في محاولة معالجتها دون تحقيق أي تقدم يذكر أو أي نتائج إيجابية في هذا النطاق. وبالتالي الوضع يزداد سوءًا. والسؤال هنا، هل هناك جدوى وضرورة من رصد ما يقارب ثلث مليار دينار اردني لخطتي التحديث الاقتصادي والاداري؟ وهل هذا ينسجم مع الوضع المالي الحالي للدولة؟ وما هي أبرز مجالات إنفاق هذه المخصصات تحديدا؟ وما هي نتائجها المتوقعة وهل لها مؤشرات محددة ذات مستويات مستهدفة معلنة مسبقا؟ هل لو تم تخفيض الضرائب والرسوم بربع هذه القيمة هل ستكون النتيجة أفضل؟ وهل القطاع الخاص بحاجة إلى بيئة أعمال محفزة تمكنه من الانجاز في ظل منافسة على أشدها؟ أم يحتاج لقوالب ووصفات جاهزة ليعمل ضمنها؟

لا تقل أهمية عن موازنة الإنفاق وبالتالي تحتاج إلى نفس الدرجة من الدراسة والتمحيص والتحليل والضبط. الموازنة العامة موازنة إنفاق وموازنة تمويل.. موازنة الإنفاق تتضمن الإيرادات في جهة “إيرادات محلية ومنح” والنفقات في الجهة الأخرى والفرق بينهما فائض أو عجز وفي حالتنا عجز. أما موازنة التمويل بشقيها المصادر (اقتراض من الداخل والخارج) والاستخدامات (سد عجز الموازنة وتسديد المستحق من أقساط الديون) والتوسع في موازنة التمويل غير محمود. ولهذا يفترض أن تُعطى موازنة التمويل نفس القدر من الاهتمام عند القراءة والنقاش والتحليل.

بند “فوائد الدين العام” يختلف في طبيعته عن بقية بنود النفقات الجارية وبالتالي أقترح أن تدرج في بند خاص وليس ضمن النفقات الجارية التي تخص السنة المالية، وكذلك الحال بند “المنح” يختلف عن بقية بنود الإيرادات وبالتالي أقترح أن تدرج في بند خاص وليس ضمن الإيرادات المحلية.

سقف الإنفاق بشقيه يجب أن يكون الايرادات المحلية وأن تصنف المنح لوحدها ولا تدخل في الإيرادات وكذلك تصنف فوائد الدين لوحدها وكذلك الرواتب التقاعدية لوحدها لا تدخل مع بنود الإنفاق التي تخص السنة المالية.

والسؤال هنا، لماذا تم دمج قانون الموازنة العامة مع قانون موازنات الوحدات الحكومية ما دام الأمر بقي بابا للموازنة العامة وبابا آخر لموازنات الوحدات الحكومية؟ هل كان لهذا التجميع في كتيب واحد غاية؟ وهل تحققت؟

ضرورة التفريق في موازنة فصل وزارة المالية، من حيث الصلاحيات والتحليل، بين بنود موازنة (نفقات وإيرادات) على مستوى الدولة وبين موازنة الوزارة مثل أي وزارة أخرى. بمعنى إضافة فصل جديد وهو الفصل العام ليشمل بنود موازنة (نفقات وإيرادات) على مستوى الدولة وتكون الصلاحية لمجلس الوزراء. أليس من الأفضل فصل موازنة وزارة المالية كوزارة (مثل أي وزارة) عن بنود النفقات والايرادات العامة التي تتعلق بالدولة ككل؟ بمعنى ادراج النفقات والايرادات العامة في فصل مستقل “عام” غير فصل وزارة المالية.لا بد من تنقية الموازنات الرأسمالية في الموازنة العامة من أي نفقات جارية.

من بديهيات الإدارة المالية أن المركز أو الوضع المالي لأي دولة يحكم توجهاتها وسياساتها. ولكن للأسف هذا الرابط يبدو غير مفعل بالمستوى المطلوب إلا بشق واحد غير صحي وغير مفيد وهو شق فرض المزيد من الضرائب والرسوم. التوسع في بنية المؤسسات وما يرافقه من انفاق وتنفيذ أنشطة وفعاليات شكلية لا تضيف وما شابه لا يستوي مع الموقف الحرج للمالية العامة.

المفاضلة والحفاظ على التوازن بين الديون الداخلية والديون الخارجية أمر مهم، فالاقتراض الحكومي الداخلي يشكل مزاحمة للقطاع الخاص على مصادر التمويل ويقلل من السيولة لدى البنوك ويرفع مستوى الفوائد. بالمقابل الاقتراض الحكومي الخارجي يشكل استنفادا للعملات الصعبة. هذا بالإضافة إلى ضرورة تحديد فترة سداد الديون بحكمة، فمد فترة السداد يرفع الفائدة وتقصيرها قد يتعذر معه التسديد.

الأمر يتطلب كشفا ماليا يتم تحديثه بشكل دوري يبين كامل، أقول كامل قيمة الديون مع الفوائد ويبين المستحق من أقساط وفوائد الديون على مدار السنوات القادمة بالكامل، أي كامل عمر الديون ولآخر استحقاق لقسط وفائدة حتى لو بعد 30 عاما.. يقابل ذلك تحليل مالي يبين مصادر التمويل الممكنة أو المتاحة للأقساط والفوائد على مدار هذه السنوات أو على الأقل 10 أو 5 سنوات وعدم الاكتفاء بموازنة تفصيلية لعام واحد فقط ومؤشرات عامة أولية لعامين فقط كما يحدث حاليا. فهذا الأمر يعتبر مقبولا للموازنات ولكنه لا يُقبل أبدا للقروض. هذا الكشف المالي يفترض أن يرفع دوريا لجلالة الملك وأن يتوفر دوما لدى رئيس الوزراء وكل وزير ولدى مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب ولدى ديوان المحاسبة. ليس هذا فحسب، بل ليكون أهم مرجعيات القرار. فأي كشف وأي معلومة أهم من هذا!. فأي مؤشرات يستند إليها في التخطيط طويل المدى أهم من هذا؟

الحكم على مدى دقة ووجاهة تقديرات الموازنات العامة يكون من خلال عدة أساليب، منها ما تحقق من تقديرات العام الذي سبقه ومنها مقارنة ما قُدر لعام ما “أرقام تأشيرية” في موازنة العام الذي سبقه مع ما قُدر في موازنة ذلك العام.

الموازنة العامة بهيكليتها وبُنيتها وبنودها الحالية لا تصلح للمقارنة بصورتها الكلية مع موازنات الدول الأخرى.. ففيها بنود يُفترض ألا تكون فيها مثل التقاعد فكان الأولى منذ البدايات ألا تورد اشتراكات التقاعد أو ما يسمى بعائدات التقاعد إلى الخزينة بل إلى صندوق للتقاعد تستثمر أمواله لتغطية فاتورة التقاعد وخارج نطاق الموازنة العامة شأنها في ذلك شأن الضمان الاجتماعي. ولكن للأسف هذا لم يحدث وما زالت ضمن الموازنة العامة مما يجعل عمليات التحليل والمقارنة غير دقيقة. ولهذا اقترح التفكير بإمكانية تحويل مسؤولية التقاعد وتغطية فاتورته إلى شركة المساهمات الحكومية التي تدير استثمارات الحكومة وعليها أن تقبل هذا التحدي وتنجح فيه لا أن تكون مكانا للتنفيع والامتيازات.

هذا من جانب ومن جانب آخر ولتوفر البديل “الضمان الاجتماعي” منذ عقود لا بد من النص في قانون معدل لقانون التقاعد المدني على “لا تخضع أي خدمات للتقاعد المدني بعد نفاذ أحكام هذا التعديل”. وبالتالي تتجه جميع، أقول جميع، الشرائح والوظائف دون استثناء للضمان الاجتماعي.

لم يُعد النهج التقليدي في ضبط الإنفاق (مثلا تخفيض 10 ٪، أو 20 ٪، من المخصصات المرصودة) يجدي.. فالسؤال هل خصصت بدقة ابتداءً؟ ثم ماذا عن كفاءة الإنفاق؟ كما قد تتبنى الحكومات سياسات وإجراءات ضبط الإنفاق في مجالات ولكنها لا تراعيها أو تلتزم بها في مجالات أخرى بل قد تُقدم على عكسها ما زال التعامل مع القضايا بمعزل عن بعضها أي الإدارة المجزأة وغياب الصورة الكلية فلا بد من وحدة وثبات النهج حيثما كان ذلك مطلوبا.

عمل رئيس الحكومة والوزراء ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان ورئيس وأعضاء مجلس النواب ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ومجالس المحافظات عمل تطوعي بالكامل دون مقابل، فلا رواتب ولا مخصصات ولا مكافآت ودون أي امتيازات ما عدا ما لديهم من رواتب تقاعدية ووضع سقف أعلى لما يصرف لهم منها والاستمرار بذات النهج مستقبلا.

كل موظف يتقاضى راتبا من عمله يزيد على 4000 دينار شهريا مهما اختلفت المسميات من راتب أو مخصصات أو عضويات مجالس إدارة أو مكافآت أو بدلات أو غيره، يقتطع المبلغ الذي يزيد على 4000 دينار ويحول الى الخزينة العامة وهذا يسري على جميع الوزارات والدوائر والمؤسسات العامة والمؤسسات الرسمية والبلديات وما ماثلها.

كل من يتقاضى راتبا تقاعديا أو أكثر من الضمان الاجتماعي والتقاعد المدني والعسكري والنقابات يزيد مجموعه على 4000 دينار شهريا، يقتطع المبلغ الذي يزيد على 4000 دينار ويحول الى الخزينة العامة. إذا عاد متقاعد إلى العمل العام (بأي شكل كان)، يقتطع ما يزيد على 4000 دينار شهريا مما يتقاضاه من راتب تقاعدي وراتب حالي ومكافآت وغيرها من امتيازات مهما اختلفت المسميات من راتب أو مخصصات أو عضويات مجالس إدارة أو مكافآت أو بدلات أو غيره ويحول إلى الخزينة العامة. يمثل مبلغ 4000 دينار شهريا سقفا لأي رواتب وامتيازات لكل الفئات في المستقبل.

تعديل قانون الشركات بإلغاء صلاحية مجالس إدارة الشركات المملوكة أو المساهمة في الحكومة وتلك المملوكة أو المساهة فيها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في اقرار مخصصاتها وامتيازاتها بنفسها، حيث تمت المبالغة فيها بشكل لا مثيل له على مستوى العالم. والأصل أن تقر هذه المخصصات والامتيازات من مرجعية أعلى وأن يدقق ديوان المحاسبة على مدى الالتزام بذلك وتفعيل المساءلة والمحاسبة عن المخالفات. واقتطاع أي مبالغ تزيد على 4000 دينار شهريا مهما اختلفت البنود والمسميات الى الخزينة العامة. وهذا ينطبق على الشركات المملوكة بشكل كامل أو جزئي.

الضمان الاجتماعي بديل موحد لجميع أنواع التقاعد وبالتالي لا بد من وقف العمل بجميع أنواع التقاعد وصناديق التقاعد باستثناء الضمان الاجتماعي وهذا يشمل الوقف التام للخضوع للتقاعد المدني لجميع الفئات.

وقف العمل بتخصيص سيارات حكومية لجميع الفئات حتى رئيس الوزراء والوزراء يستخدموا سياراتهم الخاصة ووقودها وصيانتها على حسابهم. ووقف تخصيص سيارات للمسؤولين في الشركات المملوكة أو المساهمة فيها الحكومة أو المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي. الكل يستخدم سياراته الشخصية ووقودها وصيانتها على حسابه الخاص.

وقف العمل بكل أشكال مكافآت نهاية الخدمة ما دام الشخص يخضع لتقاعد الضمان لم يعد لها لا مبرر ولا حاجة.

وقف تعيين المتقاعدين من الوزراء والفئات العليا من في مجالس ادارة الشركات المملوكة للحكومة والضمان الاجتماعي، ومقابل ذلك استقطاب كفاءات ذات اختصاص وقدرات وهي متوفرة وأن تعمل وفق مؤشرات لتحقيقها.

تخفيض أعداد أعضاء مجالس الإدارات والأمناء والمفوضين بحيث لا يزيد على 4 أعضاء بالإضافة للرئيس.

حوكمة التأمين الصحي وضبط مسبق ومتزامن لفاتورة المعالجات الطبية، وطرح عطاء تأمين صحي يشترك فيه ائتلاف مستشفيات وذلك لضبط تكلفة فاتورة المعالجات الطبية والوقف التام للعلاج خارج الوطن على حساب الدولة لمختلف الفئات ومهما كانت الأسباب.

وقف جميع أشكال الأعطيات مهما كان شكلها ونوعها ومصدرها لمختلف الفئات، فهذا ينهش من حيث لا ندري من رصيد الثقة بالمؤسسات، واقتصار العمل في هذا المجال على صندوق المعونة الوطنية لمستحقيها مباشرة ووفق ضوابط وسقوف.

إلغاء أي بنود لأي نفقات في بند النفقات الرأسمالية مثل الرواتب والمكافآت والأثاث وغيرها واقتصار إنفاقها فقط على الجهات الخارجية (خارج المؤسسة) المنفذة للمشاريع الرأسمالية ووفق معايير واستحقاق وإنجاز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى