اراء

يوم الاستقلال 78: إشراقة حرية وإرث فخر.. رسالة للأجيال القادمة

نضال العمرو

عيد الاستقلال هو يوم تشتعل فيه جذوة الفخر في قلوب الأوطان؛ يوم نحتفل فيه بتحررنا وسيادتنا، وهو فرصة نستحضر فيه الأمجاد التي حققها أجدادنا ونَسَجوها بعرقهم ودمائهم عبر التضحية والنضال من أجل الحرية والكرامة؛ فهو ليس مجرد ترف أو تقليد، بل هو تأكيد على الهوية الوطنية واستمرار للعزيمة التي دفعت أجيالاً للوقوف بشموخ في وجه التحديات.
في بلادنا (المملكة الأردنية الهاشمية)، يشكل عيد الاستقلال مناسبة وطنية مقدسة وغالية، خاصة ونحن نحتفل في هذا اليوم بذكرى العام الثامن والسبعين على استقلالنا في ظل استمرار التحديات وصعاب الاحداث الدامية في المنطقة والاقليم؛ ما يدفعنا لتحفيز وتذكير الأجيال الأردنية القادمة بأن هذا اليوم هو تذكير حي بالتضحيات الجسام التي قدمها الأجداد والآباء لتحقيق حرية الوطن واستقلال هويته الأردنية، وأن طريق الاستقلال لم تكن سهلة، والحياة لم تكن قَمرَة وربيع؛ بل كانت مليئة بالتحديات والمعاناة، ولكن الروح الأردنية الأبية والاصرار على السيادة كانت دائماً هي الدافع لتحقيق هذا الإنجاز العظيم.
أخبر احفاداً لم نراهم؛ عن اهم نِعَم الله على بلادنا بنظام هو رمز للعفو والتسامح والحكمة والديمقراطية، بعيداً عن أي صورة دموية أو دكتاتورية في حق شعبه وأرضه وهويته؛ نظام قائم على مبادئ الإنسانية والرحمة والعدالة، مما جعله نموذجاً يحتذى به في المنطقة والعالم؛ فمنذ استقلال الأردن، حقق النظام الهاشمي إنجازات عظيمة لشعبه في مختلف المجالات، مستنداً إلى رؤية حكيمة وقيادة رشيدة؛ حيث قاد الشريف الحسين بن علي أمير مكة، ملك الحجاز وملك العرب؛ الثورة العربية الكبرى لتحرير الأراضي العربية من هيمنة الأتراك العثمانيين؛ وأسس رحمه الله إمارة شرق الأردن في 11 نيسان عام 1921 .
وأسس جلالة الملك عبد الله الأول، أمير شرق الأردن، المملكة الأردنية الهاشمية، محولاً مجتمعاً يغلب عليه الطابع القبلي إلى دولة حديثة قابلة للحياة؛ و وضع جلالته الأسس المؤسسية للأردن الحديث وأرسى دعائم الشرعية الديمقراطية من خلال إصدار أول قانون أساسي في عام 1928، والذي يُعد أساس الدستور الحالي؛ كما أجرى أول انتخابات برلمانية في عام 1929، مُعززاً بذلك المسار الديمقراطي للدولة، و قاد الملك المؤسس، رحمه الله، جهود التنمية والتحديث، مكللاً جهوده بتحقيق الاستقلال التام عن بريطانيا في 25 أيار 1946، وهو اليوم الذي نحتفل به سنويا عيداً لاستقلالنا.
وبعد استشهاد جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول وهو خارج من أبواب المسجد الأقصى في القدس، تولى جلالة الملك طلال بن عبدالله الأول الحكم؛ وعلى الرغم من أن فترة حكمه رحمه الله كانت قصيرة بسبب وضعه الصحي، إلا أنه أنشأ الدستور الأردني الذي جعل الحكومة أكثر مسؤولية أمام البرلمان ومهدت الطريق للتنمية السياسية في المستقبل.
وتولى ” الملك الباني” جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه سلطاته الدستورية في 2 أيار 1953، بسبب الوضع الصحي الذي ألم بالمغفور له الملك طلال بن عبدالله الأول؛ وكانت فترة حكمه حقبة بناء تاريخ الأردن الحديث حيث استطاع أن يحقق أعلى مستويات النهوض المدنية والسياسية؛ وتمكن من جعل الأردن تميمة للإعتدال والوسطية، وكان يسعى على الدوام لرفع المستوى المعيشي للمواطن الأردني؛ فشهدت فترة حكمه رحمه الله تقدماً ملموساً في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على المستويين المحلي والعربي والإقليمي والعالمي؛ وكان جل فكره أولاً وأخيراً الانسان الأردني حيث رفع جلالته شعار تردده الأجيال (الإنسان أغلى ما نملك).
توفي الملك الباني؛ غادرنا الحسين الى جنة عرضها السماوات والأرض، بكته الأرض والسماء، بكاه الصغير والكبير من شعبه الذي أحب؛ اذكر تلك اللحظات والأيام جيداً، وكأنها يوم الحشر؛ الناس تخرج الى الشوارع هائمة على وجوهها؛ تنوح النساء حزناً لفراق الحسين وتذرف الرجال الرجال الدمع دماً على فراق الملك الحسين؛ حتى الأطفال والشباب سيطر الحزن عليهم؛ اذكر عند اعلان الوفاة كنا نقف عند بوابات المدينة الطبية وهو صرح طبي كبير شُيّد في عهده رضي الله عنه؛ جن جنون الشعب منهم من صاح بعلو صوته الّي يقول حسين مات اذبحه؛ واخر يقول، سيدنا ما يموت، وآخرين كانوا يرددون وهم يبكون ليت الموت لينا ولا ليك يا حسين؛ هذه الحالة كانت تتكرر عند وفاة كل ملك من آل بيت رسول الله بنو هاشم الأطهار حكام المملكة الأردنية الهاشمية، وكان العالم من حولنا يستغرب ويتعجب العدو و الصديق عن السر وراء ولاء و وفاء الشعب الأردني للقيادة الهاشمية!
وبعد اعلان بيان وفاة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه؛ تولى جلالة الملك “المعزز” عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله مهامه الدستورية، شاب مغوار رمز للحكمة والشجاعة والعطاء، معززاً مسيرة والده الملك الباني؛ فبدأ قيادته بدور محوري في تطوير الأردن وتحقيق قفزات نوعية ثابتة في مختلف القطاعات، حيث يشهد الأردن تطوراً كبيراً في البنية التحتية، وتعزيز التعليم، وتحسين النظام الصحي، وتطوير الاقتصاد، وإرساء دعائم الديمقراطية والعدل الاجتماعي؛ ويقود جلالته مسيرة الإصلاح والتحديث بروح متجددة؛ فلقد أطلق مبادرات عديدة في المجالات السياسية حرصاً منه على تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية؛ والاقتصادية فعمل على تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستثمارات؛ والتعليمية حيث يشهد الأردن تطوراً كبيراً في البنية التحتية التعليمية وتنوعها وزيادة الفرص التعليمية للشباب، والاجتماعية والصحية وغيرها الكثير، ما جعل الأردن نموذجاً يحتذى به في الاستقرار والتقدم في المنطقة.
وشدَّ الله عضد الملك المعزز بسمو ولي العهد الأمين الأمير الحسين بن عبدالله الثاني؛ الفارس الهاشمي الذي يبذل جهوداً تشكل رمزاً للأمل والطموح للشباب الأردني؛ فسموه حفظه الله دائما في طليعة المبادرات التي تدعم الشباب وتوفر لهم الفرص لتحقيق طموحاتهم؛ وها نحن نلمس توجهاته التي تتمحور حول تمكين الشباب، سواء من خلال التعليم أو التدريب أو توفير فرص العمل، وجعلهم جزءا أساسياً من عملية صنع القرار والمستقبل.
قصصتُ عليكم – يا أجيال المستقبل- فيما سبق ملخص حكاية تاريخ استقلال المملكة الأردنية الهاشمية؛ وهناك الكثير الكثير من الأمور والقضايا والاحداث التي لا يسعفنا ذكرها فتطول الرسالة المرجو ايصالها، ولكن الامر الذي اريد ان اوصيكم به لكونكم شباب المستقبل للأردن العظيم؛ هو أن تستلهموا من هذا الإرث العظيم وأن تبقوا مخلصين لوطنكم، وأن تنظروا لذكرى استقلال الوطن أنه فرصة دائمة لتذكر التضحيات والانجازات التي حققتها الأجيال السابقة؛ وان عليكم أن تعتزوا بهويتكم الأردنية، وأن تدافعوا عن وجودكم، وأن تكونوا دائماً مستعدين للمساهمة في بناء مستقبل أكثر إشراقاً وتقدماً للأردن؛ ولن يتأتى ذلك إلا بإتباع نهج النظام الهاشمي لما فيه من خير وصلاح لمستقبلكم ومستقبل الوطن.
وفي هذه المناسبة الوطنية العظيمة، أتوجه بأسمى آيات التهنئة والتبريك إلى مقام سيدي صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده المحبوب سمو الأمير الحسين ابن عبدالله الثاني، وللشعب الأردني العظيم.
فعيد استقلال المملكة الأردنية الهاشمية هو يوم فخر وطني، نجدد فيه العهد لله ثم الوطن ولقيادته الهاشمية الحكيمة، ونعمل جميعًا من أجل مستقبل مشرق للأردن الحبيب.
كل عام والأردن بألف خير، وكل عام وراياته خافقات في المعالي شموخاً وعزّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى