الاخبار الرئيسيةعربيعربي ودولي

“اهلا بكم في جهنم” .. شهادات مرعبة لأسرى أفرج عنهم من سجون الاحتلال

حتى ساعات الفجر الأولى، من اليوم الأحد، لم يعرف النوم طريقا للحاجة أم محمد من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، بعد الخبر الذي وصلها مساء أمس عن استشهاد أسير في سجن النقب الصحراوي، حيث تنطبق المعلومات المتعلقة بعمره وتاريخ اعتقاله إلى حد كبير على نجلها الأسير محمود، وما ضاعف من معاناة الأم والعائلة انقطاع الاتصالات مطلقا مع الأسرى منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الحالي.

وحتى بعد الإعلان عن هوية الأسير الشهيد وهو ثائر أبو عصب من مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية المحتلة، إلا أن التوتر لم يفارق أم محمد وعوائل الأسرى الفلسطينيين عامة، نظرا لما يتعرض له أبناؤهم في السجون من تنكيل وتعذيب يفوق الوصف، كما روى عدد من الأسرى المحررين.

ويؤكد الأسير المحرر حسن فؤاد (33 عاما) من إحدى بلدات جنوب نابلس لـ”قدس برس”، إن ما جرى مع الشهيد أبو عصب، وقبله خمسة من المعتقلين “ما هي إلا عمليات اغتيال مقصودة، في ظل انشغال العالم بجرائم الاحتلال في غزة، وتراجع الاهتمام بملف الأسرى”.

وأشار إلى أن “سجون الاحتلال جميعها تعيش مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الحركة الأسيرة، لا تقل خطورة وصعوبة عن تلك الفترة التي عاشها الأسرى الفلسطينيون إبان الانتفاضة الأولى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حيث اتبع الاحتلال سياسة تكسير العظام والتحقيق العسكري، ما أسفر حينها عن ارتقاء عدد من الأسرى شهداء”.

وتابع “اليوم بعد هزيمة دولة إسرائيل وجيشها في معركة طوفان الأقصى، تغلغل الحقد في قلوبهم، وصبوا جام غضبهم على الأسرى واستفردوا بهم، لدرجة أن السجانين يستقبلون أي معتقل يصل إلى السجن بالقول: أهلاً بكم في جهنم، حسب تجربته”.

وأصيب فؤاد بكسور في القفص الصدري خلال الاعتداء عليه بالضرب في سجن “مجدو”، حيث أفرج عنه قبل يومين فقط بعد اعتقال دام عشرين يوما، هي بالنسبة له “وكأنها عشرون سنة، لصعوبة ما تعرض له من إيذاء”، كما قال.

وأوضح “أصبت بكسور في 3 أضلاع من القفص الصدري، وهناك أسير آخر كُسرت قدمه وأضلاع من قفصه الصدري، وثالث نهشت الكلاب يده، لأننا رفضنا تقبيل علم دولة الاحتلال، وأخذ صورة بجانبه”.

وتجبر إدارة السجن كافة المعتقلين على الدخول إلى غرفة وتقبيل علم دولة الاحتلال المعلق على أحد جدرانها، ومن يرفض يُنَكَّل به.

الصحفي معاذ عمارنة
من جهته، تعرض الصحفي الأسير معاذ عمارنة لاعتداءات وضرب مبرح من السجانين، ما أدى إلى إصابته بجرح في رأسه ورضوض في بقية أنحاء جسده، وفق ما أكده محاميه الذي تمكن من رؤيته والحديث معه في قاعة المحكمة لدقائق معدودة.

وذكر المحامي أن الجنود تعمدوا ضرب معاذ على رأسه، عندما أبلغهم أنه مصاب برصاصة في الرأس العام 2019 أدت إلى فقدانه عينه اليسرى، كما رفضوا نقله للمستشفى لتلقي العلاج أو إعطائه دواء يسكن الألم.

وأضاف المحامي “كسر الجنود النظارة التي كان يرتديها خلال الاعتداء عليه بالضرب، فيما ترفض إدارة السجون عرضه على طبيب أو منحه المسكنات، وفضلاً عن ذلك ينام على الأرض في غرفة مكتظة بالمعتقلين”.

وسبق أن رفضت سلطات الاحتلال طلباً بإدخال الأدوية التي يحتاجها من دواء السكري، ومرطبات العين، والعين الاصطناعية التي وضعت له بعد فقد عينه، ورفضت أيضاً نقله للمستشفى بعد آلام الصداع الشديد الذي يصيبه نتيجة إصابته.
وحوّلت سلطات الاحتلال أواخر الشهر الماضي الصحافي معاذ عمارنة للاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر، بعد أسبوعين على اعتقاله من منزله بمخيم الدهيشة في “بيت لحم” جنوب الضفة الغربية.

“نتمنى الموت”
وتشير شهادات أسرى محررين وتقارير مؤسسات حقوقية إلى أن الأسرى الفلسطينيين يتعرضون لحملة قمع ممنهجة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي أدت إلى فقدان ستة أسرى لحياتهم، فضلاً عن الزيادة المطّردة في حالات الاعتقال والتحويل للاعتقال الإداري.

وأدلى الأسير المحرر علي صالح حثناوي من بلدة “قباطية” شمال الضفة الغربية، بعد الإفراج عنه من “مجدو”، بشهادة قال فيها، إن بعض الأسرى كانوا يتمنون أن تُطْلَق النار عليهم وإعدامهم بدل أن يواجهوا الموت بشكل يومي جراء التعذيب المتكرر الذي كانوا يتعرضون له.

ووصف حثناوي التعذيب بأنه “غير مسبوق والموت أرحم منه”، مشيراً إلى أن “الضرب كان يركز على الرأس والمناطق الحساسة بهدف إلحاق ضرر دائم بالأسير”.

وأضاف “التقيت قبل الإفراج عني بمعتقلين أيديهم وأنوفهم مكسورة، وشاهدت الدماء على أرض بعض الزنارين، عدا الشبح والضرب بالأحزمة على الرأس، وغير ذلك من الاستفزاز المعنوي عبر شتم الذات الإلهية على نحو متكرر من السجانين، وانعدام الأكل والاستيلاء على الحاجيات والممتلكات وإتلافها ومنها الملابس”.

وذكر الحثناوي في الشهادة المصورة أن السجانين في “مجدو” يحاولون فرض تقبيل علم دولة الاحتلال على المعتقلين، ومن كان يرفض ذلك وهم الأغلبية؛ يُعْتَدَى عليهم بالضرب بشكل مجنون، ووضع رأسهم أسفل قدم الجندي وتصويرهم بهذه الوضعية.

تعقيد إجراءات زيارة المحامين
في السياق ذاته، أكدت المحامية في مؤسسة “الضمير لرعاية الأسير” (مستقلة مقرها رام الله) صمود سعدات لـ”قدس برس”، أنه ومنذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، باتت سجون الاحتلال تفرض إجراءات معقدة للغاية لعرقلة زيارة المحامين للأسرى.

وأوضحت أن “بعض السجون ما زالت تسمح للمحامين بصورة محدودة جداً بلقاء الأسرى وسط ظروف صعبة، بينما تفرض سجون أخرى كالنقب وريمون ونفحة منع غير مباشر لمثل هذه اللقاءات، فبعد التنسيق لزيارة المحامي ووصوله إلى السجن تضرب إدارة السجن جرس الطوارئ لمنع المحامي من ممارسة عمله” بحجة أن هناك حدثاً أمنياً داخل السجن.

وأشارت سعدات إلى أن الاحتلال تعمد الاعتداء والتنكيل بالأسرى بعد انتهاء زيارة المحامين لهم، “ما دفع الأسرى إلى الامتناع من عقد الزيارات كوسيلة لحماية أنفسهم من الاعتداءات المتكررة بحقهم، والتي أسفرت عن إصابات بالغة نتيجة الضرب المبرح”.

وأضافت تقول “علاوة على ذلك، كثف جنود الاحتلال المدججين بالسلاح من عمليات قمع الأسرى بإدخال الكلاب البوليسية إلى الزنازين، ورمي قنابل الصوت والغاز عليهم، وضربهم بالهراوات والأسلحة” بحسب ما ذكرته المحامية سعدات.

ووفقا لأحدث إحصائية صدرت عن “نادي الأسير الفلسطيني” (مستقل مقره رام الله)، فإن عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، تجاوز رقم الـ 7 آلاف، موزعين على 23 سجنا ومركز توقيف، من بينهم 62 أسيرة يقبع غالبيتهن في سجن “الدامون” شمال فلسطين المحتلة، فيما يقضي نحو 559 أسيرا منهم أحكاما بالسجن المؤبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى