عربيعربي ودولي

فيضانات درنة.. أسوأ ملامح عام 2023 في ليبيا

في 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، كانت مناطق الشرق الليبي على موعد مع الإعصار المتوسطي “دانيال” الذي أسفر عن فيضانات غيرت ملامح مدينة درنة لما خلّفته من دمار واسع أودى بحياة الآلاف، لتكون تلك الكارثة أسوأ الكوارث الطبيعية التي وقعت في تاريخ البلاد.

في ذلك التاريخ اجتاح الإعصار دانيال مدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، بالإضافة إلى مناطق أخرى، بينها درنة التي كانت المتضرر الأكبر جرّاء انهيار سدود كانت تحبس المياه في “وادي درنة” الضخم.

وأحدث الإعصار أزمة كبيرة لدى سكان المدينة نتيجة تأثيره المدمر، حيث واجه الأهالي العديد من الصعوبات خلال النزوح بحثا عن مأوى، نتيجة الأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية وتوقف أكثر من نصف المرافق الصحية عن العمل جزئيا أو كليا.

وفي حين لا توجد حتى اليوم حصيلة نهائية لضحايا فيضانات شرق ليبيا، إلا أن عدد القتلى وصل حتى 2 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 4333، وفق منظمة الصحة العالمية التي أوضحت أيضا أن المفقودين المسجلين بلغوا 8500 شخص.

وبين فترة وأخرى، تعلن السلطات عن انتشال عدد إضافي من جثث ضحايا الفيضانات، والتي تخضعها لفحوصات الحمض النووي في محاولة لتحديد هوية أصحابها قبل الشروع بعملية دفنها، غير أن العديد من الجثث اعتبرت لأشخاص مجهولي الهوية، علما أنه يوجد قوائم بأسماء مفقودين حتى الآن.

وكانت التقديرات المحلية أشارت إلي أن 8 بالمئة من سكان درنة الليبية قتلوا أو فقدوا في الفيضانات، وربع أحيائها مُسح من الخريطة، في مدينة يقدر عدد سكانها بنحو 200 ألف نسمة.

بدورها، قدرت مصلحة الطرق والجسور بوزارة المواصلات بحكومة الوحدة الوطنية، رسميا، نسبة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في المناطق المنكوبة شرق البلاد بنحو 70 بالمئة، مشيرة إلى انهيار 11 جسرا جراء السيول، منها 2 يربطان درنة بمدينتي سوسة والقبة، و6 أخرى داخل درنة، و3 جسور في الطريق الممتد بين مدينتي شحات وسوسة.

ونشرت منصة “حكومتنا” (حكومية) تقريرا “مبدئيا” لجهاز مشروعات الإسكان والمرافق بحكومة الوحدة الليبية جاء فيه أن “عدد المنازل المتضررة نتيجة السيول والانجرافات في المناطق المنكوبة بالجبل الأخضر يقدر بحوالي 5000 منزل”، وهو عدد كبير في ليبيا بالنسبة للتقارير التي تشير إلي وجود 6 آلاف منزل في درنة.

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أقر مجلس النواب الليبي ميزانية للطوارئ تقدر بـ10 مليارات دينار ليبي (2 مليار دولار)، وذلك لمواجهة آثار الفيضانات وإعادة تأهيل المدن المنكوبة، وفق تصريح سابق أدلى به البرلماني الليبي محمد تامر للأناضول.

خيام مدرسية

أمل البرغوثي، مسؤولة التواصل والإعلام بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في ليبيا، قالت إن “البلاد واجهت أشد العواصف فتكا في تاريخها المسجل، حيث ألحقت دمارًا غير مسبوق شرق البلاد، خاصة في مدينة درنة التي دمّر الإعصار 30 بالمئة منها”.

وأضافت البرغوثي ان العاصفة المدمرة تسببت بنزوح حوالي 45 ألف شخص بينهم أكثر من 16 ألف طفل.

وتابعت: “أظهر 67 بالمئة من الأطفال في درنة تغيرات سلوكية سلبية منذ الكارثة”.

وأشارت إلى أن “هناك 9 مدارس في درنة تقدم خدماتها لحوالي 4500 طفل لا تزال مغلقة، بينما تواجه المدارس التي أعيد فتحها مستويات عالية من الاكتظاظ”.

وشددت المسؤولة الأممية على أن “نشر اليونيسف 16 فريقا متنقلا لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي شكل جزءا أساسيا من استجابتها حيث استفاد حتى الآن نحو 8400 طفل”.

وأوضحت أن “اليونيسف دعمت تنظيف وتأثيث 11 مدرسة، مما ساعد حوالي 9 آلاف طفل على العودة إلى التعليم”.

وتابعت: “أنشأت اليونيسف 10 فضاءات تعليمية مؤقتة تستوعب 300 طالب، مستخدمة الخيام كحل مؤقت للتخفيف من مشكلة الازدحام الشديد في المدارس”.

سد الفجوة الصحية

وقالت البرغوثي إن “اليونيسف لعبت دورا حيويا في سد الفجوة الصحية من خلال فرق الرعاية الصحية المتنقلة، والتي قدمت خدمات لأكثر من 6500 شخص منذ بدء الأزمة”.

وأضافت: “أطلقنا بالتعاون مع شركاء مختلفين بما في ذلك المركز الوطني لمكافحة الأمراض (حكومي) المرحلة الثانية من حملة “مياه آمنة حياة صحية” والتي وصلت إلى 29 ألفا و637 شخصا”.

استعادة الخدمات الأساسية

وحول الاحتياجات الضرورية لمدينة درنة، قالت إنه “مع اقتراب عام 2023 من نهايته، يتحول تركيز اليونيسيف في المناطق المتأثرة بالفيضانات من الاستجابة الطارئة إلى جهود التأهيل والإصلاح المبكرة وإعادة الإعمار”.

وأضافت: “تستوجب خطة الاستجابة مبلغ 26.5 مليون دولار حتى يونيو 2024، ولا تزال اليونيسيف تواجه فجوة في الدعم تقدر بحوالي 11 مليون دولار”.

صعوبات تواجه المنكوبين

في المقابل، قال الكاتب الصحفي الليبي هشام الشلوي، إن “الأوضاع بصفة عامة في مدينة درنة ما زالت صعبة جدا، وهناك صعوبات جمة تواجه المنكوبين”.

وأضاف الشلوي انه يعلم الجميع أن الكارثة مهما كان حجمها أو مهما كان آثارها فإن التأثير الإعلامي يبقى له الدور الأكبر في إبراز تلك الكارثة.

وتابع: “عندما كانت درنة هي العنوان الأول لدى كل وسائل الإعلام ‏كان هناك اهتمام كبير بها أما الآن فهي أصبحت شبه منسية، نظرا لتغير عناوين الصحف المحلية والعالمية، خاصة تلك التي اتجهت صوب العدوان الإسرائيلي على غزة والعناوين المحلية التي اهتمت بتفاصيل أخرى سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية وابتعدت كثيرا عن درنة”.

وأشار إلى أن “مدينة درنة لا تهم بشكل كبير صانع القرار سواء في العاصمة طرابلس أو في مدينة بنغازي لأنها ليست من ضمن اهتمامات الحكومتين إلا فيما يتعلق بكيفية جني ثمرات الفيضانات من مشاريع إعادة الإعمار وتسابق الدول الإقليمية والدولية”، وفق تعبيره.

ولفت إلى أن “مسألة إعادة الأعمار لا تحتاج فقط إلى إعادة بناء بيوت الناس بل تحتاج إلى مشاريع بنية تحتية”.

وأوضح أن المدينة “تحتاج أولا بناء سدود جديدة أو بناء تفريعات جديدة علي وادي درنة لتجنب أي كوارث طبيعية أخرى”.

ورأى أن “التسرع في بناء مشاريع البنية التحتية وإعادة الإعمار دون حل للمشكلة الجذرية الأصلية ببناء ثلاثة أو أربعة سدود أو بناء أو حفر تفريعات جديدة علي الوادي هي عبث واستهزاء بحياة الناس وتعريض حياتهم من جديد”.

الكارثة الأسوأ في تاريخ ليبيا

‏وقال الشلوي إن “كارثة الفيضانات التي حلت على درنة ومدن الشرق الليبي ليست الأسوأ في العام الحالي فقط بل الأسوأ في تاريخ ليبيا منذ تأسيسها عام 1951، من حيث حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية المهترئة والضعيفة، والتي لم تشهد أي تطوير منذ عشرات السنوات أو من ناحية أعداد البشر الذين لقوا حتفهم في تلك الكارثة”.

وأضاف: “الكارثة كبيرة جدا وهي أسوأ الكوارث التي مرت بها ليبيا استنادا إلى البنية التحتية التي دمرت واستناداً على إعداد الضحايا”.

الانقسام السياسي عائق لعودة الحياة

وقال الشلوي إن “أكبر عائق أمام إمكانية عودة الحياة بسرعة إلى مدينة درنة هو الانقسام السياسي الذي تعيشه ليبيا”.

وتشهد ليبيا صراعا على السلطة بين حكومة عيّنها مجلس النواب مطلع 2022، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

وتابع الشلوي: “الانقسام السياسي يمنع وجود رؤية إستراتيجية حقيقية وواقعية ليس فقط لإعادة بناء تلك المدن أو ما تضرر منها وإعادة بناء وتأهيل ما تضرر منها بل يعيق أيضا وضع خطط حقيقية وجادة لتوقي حدوث مثل هذه الكوارث”.

وأوضح أن “هذه المسألة تبرز في الأساس كيفية الوقاية من مثل هذه الكوارث، لذلك لا يمكن إعادة بناء درنة بدون التفكير بجدية في عملية كيفية يمكن وقاية المدينة من مثل هذه الكوارث”.

ولفت إلى أن “ليبيا دخلت في فصل الشتاء ما ينذر بأن يكون لذلك تقلبات سواء من ناحية الأمطار الغزيرة التي بدأت تهطل على أجزاء واسعة من البلاد أو من ناحية الصقيع”.

وبين أن “الناس الآن تحتاج إلى توفير مساكن عاجلة أو توفير بدل إيجارات وكذلك توفير أوراق ثبوتية وتحتاج إلى توفير آليات جديدة لصرف مرتباتها والكثير من الإعانات المادية والدعم المعنوي”.

وأشار إلى أن “كل هذه الاحتياجات العاجلة جزء منها حقيقة توفر وجزء منها إلى الآن لم يتوفر أو لم يشمل جميع المنكوبين في مدينة درنة”.
وأكد الشلوي أن “النازحين من مناطق الجبل الأخضر أو من درنة في العاصمة طرابلس أو في مدينة بنغازي أهملوا تماما ولم يتم التعامل معهم بجدية ولم يتم وضع آليات استثنائية تتناسب مع حجم الكارثة”.

ورأى أن “أغلب الجهود المبذولة هي جهود شعبية أهلية بالدرجة الأولى وإعادة دمج الأطفال الناجين في المجتمع من جديد، وعدم تركهم بدون رعاية مجتمعية وبدون رعاية صحية وبدون تعليم حتى نستطيع أن نساعدهم على تجاوز هذه المحن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى