دوليعربي ودولي

هل يحضر بوتين ‏‏لضربة نووية؟‏

تروج روسيا في الآونة الأخيرة قصصًا غير معقولة عن “قنبلة قذرة” أوكرانية. وقد شرعَت كييف والغرب في حملة لمواجهة هذه الدعاية الروسية، ويجري الحديث مرة أخرى عن خطر استخدام موسكو أسلحة الدمار الشامل في أوكرانيا، وهذه هي الفكرة.‏

قبل كل شيء، كسر وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أشهرًا من الصمت النسبي -مع الغرب على الأقل- ‏‏حين اتصل بنظرائه‏‏ البريطانيين والأميركيين والفرنسيين والأتراك.

وكانت رسالته الرئيسية لهؤلاء النظراء هي التأكيد، من دون أي دليل يدعم مزاعمه، على أن كييف تستعد لاستخدام قنبلة قذرة.

وهذا النوع من القنابل هو ذخيرة تقليدية في الأساس، تتم إحاطتها بمواد مشعة تنتشر عندما تنفجر القنبلة.

وسيكون هذا النوع من الانفجار أقل تدميرًا بكثير من أي انفجار نووي حقيقي تقريبًا، لكن القنبلة ستظل تعد سلاحًا محظورًا من أسلحة الدمار الشامل.‏

ومن جهتهم، سارع محاورو شويغو الغربيون إلى رفض هذه المزاعم، والتحذير من أنه لا يمكن استخدامها كذريعة لقيام روسيا بالتصعيد.
ومع ذلك، واصل الروس الإصرار على روايتهم، قائلين إن كييف تخطط لتفجير قنبلة قذرة على أراضيها نفسها كحادث مفتعل بقصد الاستفزاز، زاعمين أن التفجير كان هجومًا نوويًا روسيًا منخفض العائد (غير استراتيجي، أو “تكتيكيًا”).

والآن، تجلب روسيا تأكيداتها بشأن القنبلة الأوكرانية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.‏

مفهوم مرعب.. سلاح ضعيف‏

القنبلة القذرة مفهوم مرعب، لكنها ‏‏سلاح حرب ضعيف‏‏. سوف تؤدي التداعيات إلى تلويث المنطقة المجاورة مباشرة، لكنَّ من غير المرجح أن يعاني الناس من جرعات قاتلة -أو حتى بالغة الضرر- من الإشعاع.

وعلاوة على ذلك، لا يمكن أن يكون هناك أي شك عندما يتعلق الأمر بإمكانية الخلط واعتبار القنبلة القذرة تفجيرًا نوويًا فعليًا لأن طبيعة الانفجار وملامح الإشعاع ستكون مختلفة تمامًا.

على أي حال، تتحرك كييف بسرعة مؤخرًا لمعالجة هذه الادعاءات. وبناء على طلبها، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن نيتها إرسال مفتشين‏‏ إلى الموقعَين النوويين الأوكرانيين اللذين ذكرتهما المصادر الروسية، وهما محطة التخصيب المعدنية الشرقية في منطقة دنيبروبتروفسك، ومعهد البحوث النووية في كييف.

ويجري جرد المواد النووية وتعقبها بعناية في هذه المواقع، ولا يمكن أن يكون هناك أي شك حول نقل كميات كبيرة من هذه المواد من دون ترك أثر للقنبلة المفترضة.‏

وإذن، ما الذي تهدف إليه موسكو بهذه اللعبة؟ مكمن الخوف الذي لا مفر منه هو أن الروس يمهدون الطريق لاستخدامهم الخاص لمثل هذا السلاح، والذي سوف يلقون باللوم عنه على كييف.

ومع ذلك، سيكون هذا “عملاً إرهابيًا نوويًا”، على ‏‏حد تعبير‏‏ السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا. ومن الصعب أيضًا أن نرى ما القيمة الحقيقية التي يمكن أن ينطوي عليها ذلك.

ربما يكون للقنبلة القذرة بعض التأثير المحدود في ساحة المعركة، بحيث تجعل من الأكثر صعوبة على الأوكرانيين اجتياز طرق الوصول نحو خيرسون أو شبه جزيرة القرم، لكن هذه ستكون ميزة صغيرة ومؤقتة على أبعد تقدير.‏

وبالمثل، على الرغم من أنه يمكن استخدام هذه الادعاءات كذريعة لتصعيد آخر ما، إلا أن موسكو لم تكن في حاجة إلى أي ذرائع حقيقية للقيام بأي عمل في الماضي.

وإلى جانب ذلك، يتمتع الكرملين ‏‏بسجل حافل‏‏ في تقديم مثل هذه الادعاءات الزائفة التي لا يأتي من ورائها شيء. في آذار (مارس)، زعم أن هناك برنامجا مشتركا للحرب البيولوجية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وهو ادعاء ‏‏سرعان ما دحضته‏‏ الأمم المتحدة.

وفي نيسان (أبريل)، جاء دور القنبلة القذرة، ثم في حزيران (يونيو)، كانت كييف تعد لهجوم بالأسلحة الكيميائية ليكون ذريعة مفتعلة في أوديسا، تحول في تموز (يوليو) بسلاسة إلى دونيتسك وميكولاييف.

وغني عن القول إن أيًا من هذه المزاعم لم يتحقق على الإطلاق.‏

قد يكون الأمر أن الروس يمهدون الطريق لشيء آخر، مثل تفجير سد كاخوفسكايا لحماية انسحاب قواتهم من خيرسون.

لكن الاحتمال الأرجح أن هذه مجرد مرحلة أخرى في سياق محاولات موسكو تقويض دعم الغرب المستمر لأوكرانيا.

يأتي هذا، بعد كل شيء، في أعقاب تلميحات فلاديمير بوتن المتكررة إلى أنه قد يلجأ إلى استخدام أسلحة نووية غير استراتيجية، مهما كان هذا الاحتمال ‏‏غير مرجح‏‏ في الحقيقة.

وهناك مسبقًا أصوات في الغرب تجادل بأن تقديم نوع من التنازلات لروسيا قد أصبح ضروريًا لتجنب تصعيد مروع للصراع، وكان آخر ذلك ‏‏رسالة‏‏ من 30 عضوًا في التجمع التقدمي في الكونغرس الأميركي، تحث الرئيس بايدن على “القيام بدفعة دبلوماسية استباقية” لإنهاء الحرب.

وعلى الرغم من التراجع عن الرسالة بسرعة، إلا أنها شكلت أهم مثال على الانقسام حول الحرب القائم حتى الآن في الحزب الديمقراطي، وعكَس إلى حد كبير مدى الخوف من مثل هذا التصعيد.‏

يبدو أن بوتين أدرك أن أمله الحقيقي الوحيد في النصر يكمن في التمسك بهذا الخط لفترة كافية حتى يفقد الغرب وحدته والتزامه بالحرب.

وتحقيقًا لهذه الغاية، فإن أي شيء يعزز الرسالة القائلة إنه لا يتورع عن شيء لتصعيد الحرب بطرق جديدة كارثية، إنما يساعد قضيته بطريقة ضارة للغرب.

وبافتراض ألا تتمخض هذه القصة الأخيرة عن أي شيء، يمكننا أن نتوقع تدفقًا مستمرًا من الادعاءات الصارخة والقليل من الأدلة الداعمة بشكل لافت.‏

ومع ذلك، ثمة جزء ينطوي على جانب إيجابي. ربما كانت محادثة شويغو مع نظيره البريطاني بن والاس من أجل الدعاية فقط، لكنها كانت على ما يبدو “‏‏مهنية ومحترمة‏‏”.

كما أدت إلى ‏‏محادثة للمتابعة‏‏ بين رئيس أركان الدفاع، الأدميرال السير توني راداكين، ونظيره الروسي، الجنرال فاليري غيراسيموف.

وحتى لو لم تشهد هذه المحادثات أي التقاء للعقول والأفكار، فإن من المهم في أوقات الأزمات إبقاء مثل هذا النوع من خطوط الاتصال مفتوحًا.‏

*د. مارك غاليوتي Mark Galeotti: عالم سياسي ومؤرخ. وسيصدر كتابه “حروب بوتين: من الشيشان إلى أوكرانيا” Putin’s Wars: From Chechnya to Ukraine في تشرين الثاني (نوفمبر).

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Is Putin preparing a nuclear strike?

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى